أثار تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا بالدفاع عن تايوان، الجدل مجددا بشأن موقف أميركا حال تعرضت الجزيرة لغزو صيني. وقال بايدن في معرض إجابته على سؤال بشأن ما إذا كان سيتدخل عسكريا للدفاع عن تايوان: "هذا هو الالتزام الذي قطعناه على أنفسنا". وترى لامي كيم، الأستاذ المساعد ومديرة برنامج الدراسات الأسيوية في إدارة الأمن القومي والاستراتيجية، بالكلية الحربية للجيش الأميركي، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، أن تصريح بايدن يتناقض مع "استراتيجية الغموض"، أي سياسة أميركا تجاه تايوان على مدار عقود. وتقول كيم، وهي دبلوماسية كورية جنوبية سابقة: إن الغموض الذي تتسم به السياسة الأميركية تجاه تايوان، يهدف إلى الحفاظ على الموقف الراهن، عن طريق كبح الحماس بشأن استقلال الجزيرة، وردع أي غزو صيني محتمل. وترى كيم أن "الغموض الاستراتيجي" قد لا يستمر طويلا كسياسة قابلة للدوام، في ظل تأكيد بكين المتنامي لادعاءاتها حيال تايوان. ولطالما كانت إعادة تايوان للسيادة الصينية هدفا لبكين، التي صعدت من الضغوط على الجزيرة منذ انتخاب تسي إنج ون، الزعيمة المؤيدة للاستقلال من "الحزب الديمقراطي التقدمي" رئيسة للبلاد في عام 2016. وشملت هذه الضغوط تعزيز وتيرة التدريبات العسكرية بالقرب من حدود تايوان. ورغم أن بكين تفضل استعادة تايوان سلميا، فهي لم تتخلَ أبدا عن التلويح باستخدام القوة، وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، إن بلاده تحتفظ "بخيار استخدام جميع الوسائل الضرورية" لإعادة التوحيد. وبحسب التحليل، يعتقد كثيرون أن الصين ستسعى إلى إعادة ضم تايوان بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، على أقصى تقدير. ويحذر آخرون من أن هذا قد يحدث في عام 2027، بناء على التاريخ المستهدف، الذي تأمل فيه بكين بأن تحقق القدرة على مواجهة تدخل الولاياتالمتحدة في المحيط الهادئ. ويعني هذا بالنسبة للسياسة الأميركية، أن الوقت سيأتي في نهاية المطاف لتقرر واشنطن ما إذا كانت ستدافع عن تايوان حال غزتها الصين. وثمة خلافات بين الخبراء، وانقسام بين الشعب الأميركي في هذا الشأن. وبحسب استطلاع أعده مجلس شيكاغو في عام 2021، أعرب 52 % من المشاركين عن تأييدهم لإرسال قوات أميركية للدفاع عن تايوان، مقابل 40 % في استطلاع مماثل جرى في 2020. وتقول كيم إنه من أجل تحديد هل الدفاع عن تايوان سيكون سياسة أميركية صائبة، يتعين توضيح المخاطر التي تحيط بهذا الأمر. وأوضحت أن السياسة الخارجية الذكية لأي دولة، تستند إلى فهم واضح لمصالحها. فهل تشكل تايوان مصلحة حيوية، أم هامشية، لأميركا؟ وهل تمثل الجزيرة أهمية لواشنطن؟ وإذا كان الأمر كذلك يبقى السؤال: لماذا؟ وليس هناك ثمة اتفاق في هذا الشأن، فالبعض يرى أن تايوان في حد ذاتها، لا تمثل مصلحة حيوية أميركية، ولكن أي غزو صيني للجزيرة سوف يكون "انتهاكا كبيرا للأعراف الدولية، وبالتالي يصبح الأمر مصلحة حيوية لأميركا". ويرى آخرون أن الدفاع عن تايوان له دلالة اقتصادية، بالنظر إلى أهمية الجزيرة فيما يتعلق بسلاسل الإمداد العالمية، خاصة في صناعة أشباه الموصلات، حيث توفر الجزيرة نحو 92 % من إنتاج العالم من الرقائق أقل من عشرة نانومتر. ورغم ذلك، هناك من لا يرى لتايوان قيمة استراتيجية كبرى. وتكمن حقيقة الأمر في أن مصلحة الولاياتالمتحدة في تايوان أعلى بشكل كبير مما يعتقد كثيرون: حيث يتعلق الأمر بتفوق أميركا في غرب المحيط الهادئ. فإذا سقطت تايوان، سقط تفوق أميركا في المنطقة، وهو ما يعني ضعف مكانة الولاياتالمتحدة عالميا. وترى كيم، أن احتلال تايوان من شأنه أن يسمح للصين باختراق ما يعرف باسم "سلسلة الجزيرة الأولى"، التي تمتد عبر جزر الكوريل، واليابان، وأكيناوا، وتايوان والفلبين. وفي إطار الصراع بين الصين- التي تسعى إلى إخراج أميركا من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وضمان "مكانها الصحيح" في المحيط الشاسع، وأميركا التي تحاول احتواء توسع الصين - تشكل سلسلة الجزر الأولى خط الدفاع، أو الهجوم، لكل جانب. وتقع تايوان في القلب من هذه السلسلة، وهناك قناتان قريبتان منها - قناة باشي إلى الجنوب، وقناة مياكو إلى الشمال - وهما تشكلان حاليا نقطتي اختناق للصين. وحال سيطرت الصين على تايوان، ستصبح القناتان مدخلين لبكين إلى المحيط الهادئ، وهذا هو السبب، لماذا قد تصبح تايوان نقطة الصراع حال اندلاع صراع بين أميركا والصين؟ كما أن إعادة تايوان إلى البر الصيني، من شأنه أن يساعد الصين في اقتطاع دائرة نفوذ في آسيا. وإذا ما أخفقت واشنطن في الدفاع عن تايوان، فسوف تتبدد مصداقية أميركا كحليف يعتمد عليه، وهو ما يترك دول المنطقة أمام خيار اللحاق بركب الصين، الشريك الاقتصادي الأكبر لهذه الدول. وتقول كيم: إنه بمجرد أن تخرج الصين أميركا من آسيا، وتصنع لنفسها منطقة نفوذ استراتيجي، سوف تشكل تهديدا أكثر مباشرة للولايات المتحدة. ويرى البعض أن طموحات الصين إقليمية وليست عالمية، مما يسمح بالتعايش بين الصين وأميركا عبر احترام كل طرف مجال نفوذ الآخر. ولكن من الصعب تحديد نيات أي دولة، وحتى لو كان ذلك ممكنا، فإن هذه النيات قد تتغير بمرور الوقت، فالولاياتالمتحدة لم تعتزم أن تصبح قوة عالمية مهيمنة لدى صعودها، ولكن هذا ما حدث بالفعل. وقد ينتهي الأمر بالصين كذلك أيضا، لتشكل تهديدا مباشرا للأراضي الأميركية. ولذلك، فعند مناقشة مسألة دفاع أميركا عن تايوان، أو التخلي عنها، يتعين في الحقيقة مناقشة، هل يجب على واشنطن السعي للحفاظ على تفوقها غربي المحيط الهادئ، وما وراءه. وقد يعتقد البعض أن الحفاظ على تفوق الولاياتالمتحدة يشكل مصلحة حيوية لأميركا، حتى لا تصبح الصين تهديدا أكبر، كما أن أي هيمنة صينية على الساحة العالمية، من شأنها أن تهدد النظام العالمي القائم على القواعد، وهو أمر يمثل مصلحة حيوية لأميركا. وتقول كيم في ختام تحليلها: إن هناك من يعتقد أن من الحكمة الاستغناء عن التفوق الأميركي، حيث إن الحفاظ عليه مسألة تكتنفها المخاطر. ومن المرجح أن يؤدي الدفاع عن تايوان ضد أي عدوان صيني، إلى خسائر بشرية كبيرة ضمن صفوف الأميركيين في ضوء القوة العسكرية المتنامية للصين. والسيناريو الأسوأ، هو أن تتصاعد المواجهة العسكرية بين القوتين النوويتين إلى كارثة نووية. وتؤكد كيم أن الدفاع عن تايوان، أو التخلي عن الجزيرة، هو قرار سيتعين على القادة الأميركيين اتخاذه. وعندما يفعلون ذلك، عليهم استيعاب المخاطر التي تكتنف الوضع.