انطلقت مبادرة الساحات البلدية، التي ينسب الفضل في نشأتها وانتشارها بالعاصمة الرياض، ومدن المملكة الأخرى، لسمو أمين منطقة الرياض السابق، د. عبدالعزيز بن عياف، وذلك من زاوية حل مشكلة كانت تؤرق الأسرة والمجتمع في مدينة الرياض، وهي القدرة على استيعاب احتياجات الشباب، الذين يمثلون نحو نصف سكان المدينة، وهم في ذات الوقت عرضة - كما هو شأن فئتهم العمرية - للعديد من مسببات الانحراف، حيث تمت الاستفادة حينها، مما لوحظ من قيام مجموعات من هؤلاء الشباب، بممارسة رياضة كرة القدم في فضاءات عامة، تتوزع على نحو مشتت في المدينة، وإقامة منافساتهم الخاصة في هذه اللعبة ذات الشعبية الجارفة في محيطهم، لتكون هذه الفضاءات المعروفة بين أوساط الشباب بأنها ملاعب لكرة القدم، الحاضن لمبادرة إنشاء الساحات البلدية من قبل الأمانة، وتجهيزها لممارسة مختلف أنواع الرياضة. إن كانت الأمانة التاريخية تقتضي الإشارة للسبق الذي تحظى به المؤسسة العامة لرعاية الشباب - آنذاك - بإنشاء ساحات عامة رياضية يطلق عليها أحياناً الساحات الشعبية، فإن هذا السبق لم يتحقق منه سوى إحدى عشرة ساحة رياضية على مستوى المملكة، من بينها واحدة فقط في العاصمة الرياض، لذا كان نجاح مبادرة الساحات البلدية في نموذجها الأول، دافعاً للتوسع في إنشاء مئة ساحة بلدية، أنجز منها ثلثا ما هو مستهدف. لا يخفى أن الساحة أو الميدان هو من العناصر الأساسية في النسيج العمراني لمدننا التاريخية (ساحة أو ميدان الصفاة بمدينة الرياض نموذج لذلك) حيث يمثل هذا الميدان الفراغ الحيوي الحاضن للنشاط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لهذه المدن، بقي هذا الدور حياً في البعض من تلك المدن واختفى في البعض الآخر نتيجة نزوح السكان من الجزء التاريخي للمدينة، التي مع توسعها وامتدادها لم يتكرر هذا الدور للساحة والميدان وأن يعاد استنساخه - إن جاز التعبير - على مستوى أحيائها الجديدة لتمارس هذه الساحة - كما يصف البعض - دور الصالة العائلية لسكان الحي يلتقون فيها على نحو التقاء أفراد الأسرة مع بعضهم في البيت الواحد، لذا في تصوري أن الساحات البلدية بمستوى النجاح الذي وصلت له حالياً كفراغ عام نابض بالحياة تملك مساحة مهمة - بل ودائمة - للتطوير، وإلى مرحلة تالية في هذا الجانب، ينقلها من ساحات يهيمن عليها النشاط الرياضي وحسب، إلى فراغ عمراني حيوي عام يحتضن على نحو أوسع النشاط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لأحيائنا الذي سلبت وبعثرت وأربكت هذا النشاط في مدننا الحديثة شبكة الطرق والشوارع المحيطة بهذه الأحياء.