قدمت الباحثةِ المتمكنة الأستاذة سوسن زهير المهتدي للمكتبةِ العربيةِ وللجهاتِ الرسميةِ في الدولةْ -كتابًا قيمًا- يشتملُ على إشارةٍ لافتةٍ إلى الماضي، ويحاكي أركانَ الواقعِ، ويستشرفُ ملامحَ المستقبلِ فيما يتصلُ بأمرٍ بات في غايةِ الأهمية. لقد وُفقتْ الباحثةُ سوسن في اختيارِ عنوانِ هذا الكتابِ ليكونَ "الأمنَ السيبراني في المدنِ الذكية"؛ فهكذا عنوان يستنهضُ الهمةَ المعرفيةَ لدى القارئ للوقوفِ على تفاصيلِ ما جاءَ في الكتاب. والواقعُ أنني وددت لو حصلتُ على نسخةٍ من هذا الكتابِ مبكرًا لأستزيدَ مما وردَ فيه من معلوماتٍ دقيقةٍ وتفصيليةٍ شاملة، لكنني استلمته فقط أولَ أمس، فمررتُ مرورًا سريعًا عبرَ محتوياتِه التي جاءت على درجةٍ عاليةٍ من التدرجِ في عناوينِ فصولِه والترابطِ في اختصاصاتِ فروعِه. والمتأمل في مقدمةِ الكتابِ يجدُها ابتدأتْ وتدرجتْ من فكرةٍ إلى فكرةٍ ومن تطورٍ إلى آخر، مشتملة على استشهاداتٍ موثقةٍ بالأسماءِ والأماكنِ والتواريخ. لقد لفتتْ الباحثةُ سوسن الانتباهَ إذ لم تَغْفَلْ أيَّ صغيرةٍ ليكونَ الكتابُ مستوفيًا جوانبَهُ المتعددة، لقد أفردتْ في مقدمتِها أربعَ عشرةَ صفحة للتعريفِ بمفاهيمِ المصطلحاتِ المواكبةِ للثورةِ الإلكترونيةِ التي هاجمتْنا بغتةً لدرجةِ أن الكثيرَ منا -وهذه حقيقة- لا يملكُ تفسيرًا دقيقًا للعديدِ من مصطلحاتها. ويُحسبُ للباحثةِ سوسن أنها وضعتْ أمامَ القارئِ هذه المفاهيمَ قبلَ أنْ يسبرَ أعماقَ الكتابْ، فبيّنتْ بمفرداتٍ سريعةٍ المفاهيمَ التعريفية لأربعةٍ وسبعين مصطلحًا، ومنها: "الحكومة الإلكترونية"، و"الذكاء الاصطناعي"، و"الاقتصاد الذكي"، و"الحركة الذكية"، و"البيئة الذكية"، و"الحوكمة" ... إلخ، وجلُّها إن لم يكن كلها يستعصي استيعابُها على الكثيرين منا. "الأمنُ السيبراني في المدنِ الذكيةِ" كتابٌ يتسمُ بالعمقِ والشمولية، ويحتاجُ إلى كثيرِ وقتٍ لقراءتِهِ قراءةً تأمليةً، وإني لأرى الباحثةَ سوسن قد وُفقتْ في حرصها على أن تبدأَ كلَّ فصلٍ من فصولِ الكتابِ الاثني عشر بتمهيدٍ يأخذُ القارئَ رويدًا رويدًا إلى صلبِ كلِّ موضوع؛ الأمرُ الذي من شأنِهِ أن يستنفرَ الاستعدادَ المعرفي لدى القارئِ لاستيعابِ مادتِهِ المليئةِ بالمصطلحات. وكذلك حرصتْ الباحثةُ سوسن على تضمينِ الكتابِ العديدَ من الرسوماتِ التوضيحيةِ التي تُقربُ المقصودَ للقارئِ من خلالِ رسوماتٍ بيانيةٍ غايةً في الوضوح. ولتوضيحِ أهميةِ الأمنِ السيبراني، تفضلتْ الباحثةُ سوسن بتبيانِ الهجماتِ السيبرانيةِ التي تعرضتْ أو قد تتعرضُ لها المدنُ الذكيةْ، مبينةً طبيعةِ الهجماتِ، وجهةِ التهديدِ، ووضعت أمثلةً لذلك، ثم حددتْ الإجراءاتِ التي يتعينُ اتخاذُها لمواجهةِ كافةِ ما يمكنُ أن يستجدَّ من تهديدات. أختمُ أننا أمامَ كتابٍ مكتملِ العناصر، يتسمُ بالثراءِ المعلوماتي عبر ما تمَّ الرجوعُ إليه من مصادرَ ومراجعَ بلغتْ في مجموعِها اثنين وخمسين مرجعًا باللغة العربية، وأربعةَ عشرَ مرجعًا باللغة الإنجليزية.واسمحوا لي هنا أن أوثقَ التهنئةَ للباحثةِ سوسن في هذا اللقاءِ الباذخِ إذ تألقتْ وهي تحلقُ بنا عاليًا في فضاءِ ما وَقَفَتْ عليهِ من معلوماتٍ تحاكي ما يشهدُه العصرُ من تطورٍ وتقدمْ، وقدمتها للقارئِ وللمجتمعِ بأسرِةِ عبرَ هذا الإصدارِ المميزْ. وبهذا أستطيعُ القولَ أن الباحثةَ سوسن حملتِ الهمَّ، وصنعتْ منه فكرةً، وجسدتِ الفكرةَ بصمةً، وأرسلتِ البصمةَ عبر هذا الكتابِ الشاملِ إلى حيثُ يجدُ مسؤولًا يشكلُ منه أداةً نحو التنفيذِ لخدمةِ البلادِ والعبادْ. عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين