لا أحد ينكر أننا حققنا نجاحا مذهلا في القضاء على البيروقراطية (التقليدية) التي تعيش على كثرة الورق والإجراءات، وتهدر الوقت والجهد والموارد، وتفسد تجربة العملاء. وفي الوقت ذاته، لست مرتاحا مما يلوح من بعيد، من ظاهرة يمكن أن نسميها «البيروقراطية الإلكترونية»، متمثلة في كثرة المنصات والتطبيقات الحكومية، وما يتبع ذلك من إجراءات تسجيل وإصدار وتجديد تراخيص وإنجاز أعمال وتحميل وتنزيل ملفات، جهات لدى كل منها منصة واحدة، وجهات أخرى بعدة منصات، ولكل منها درجاتها في السهولة والتعقيد، متراوحة بين مجاني ومدفوع. وإذا كان البعض قد استبشر خيرا باختفاء وظيفة «المعقب» التي يرون فيه رمزا للبيروقراطية (بالمناسبة أتعبتنا ترجمة المسمى إلى الإنجليزية لإنه لا يوجد له مقابل!) ، فإنني أعتذر عن ازعاجي لهم بسؤال عابر: هل فعلا ألغينا وظيفة «المعقب» أم أننا قمنا بتغيير طبيعتها من «ميدانية» إلى «مكتبية»، وألزمنا صاحبها برمي حقيبة الاستمارات والأختام، والعزف على لوحة المفاتيح؟ إن أردنا التحدث عن المنصات الحكومية التي تستخدمها المنشآت لإدارة الموظفين والمرافق، فهي على سبيل المثال لا الحصر: «قوى»، «مدد»، «هدف»، «طاقات»، «أبشر أعمال»، «مقيم»، منصة «هيئة الزكاة»، موقع «التأمينات الاجتماعية»، موقع «وزارة التجارة»، منصة «بلدي»، ومنصة «سبل»، زد إلى ذلك بوابة «الغرفة التجارية»، وغيرها. تلك منصات ذات طابع إداري، يضاف إليها المنصات ذات الطابع المالي، وهي 8 منصات وأنظمة حكومية إلكترونية وفقا للمركز الوطني لنظم الموارد الحكومية، منها: منصة «اعتماد»، ونظام «تحصيل» الإلكتروني، ونظام الحقوق المالية (صرف). هذا العام، رصدنا تحركات للتصدي لظاهرة البيروقراطية «الإلكترونية»، فمثلا أصبحت منصة «قوى» اعتبارا من الخميس الماضي «القناة» الوحيدة لتوثيق واعتماد عقود العمل، حيث قامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على مدى أسابيع بنقل جميع العقود الموثقة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وكذلك منصة «مدد» التابعة أيضا للوزارة بشكل تدريجي إلى منصة «قوي». أما على صعيد التطبيقات، فقد كان لوزارة الصحة 11 تطبيقا: «صحة»، «صحة للأطباء»، «صحتي»، «موعد»، «تطمن»، «التطوع الصحي»، «إشارة»، «قريبون»، «دليل الأدوية»، «موارد»، «عشانك»! وقد أحسنت الوزارة صنعا، حينما دمجت في يناير الماضي أربعة تطبيقات (صحة، صحتي، تطمن، موعد) في تطبيق واحد (صحتي)، على أمل أن يتم النظر في بقية التطبيقات، وحصرها مثلا في اثنين: تطبيق للمستفيدين من الخدمات الصحية، وتطبيق لمنتسبي الوزارة. لقد بدأت هيئة الحكومة الرقمية التي انطلقت 2021 تعمل على حوكمة المنصات الرقمية والمواقع الإلكترونية الحكومية سعيا إلى تنظيم أعمال الحكومة الرقمية، وتحقيق التكامل بين الجهات الحكومية، وتحسين الكفاءة التشغيلية. وحيث إن انخفاض تكاليف إنجاز الأعمال يعد أبرز مقومات البيئة الاستثمارية الجاذبة، فإنني أقترح على الهيئة أن تبادر إلى تبني مشروع (نسميه سوبر يسر؟) لإدراج جميع الخدمات الحكومية الإلكترونية في منصة واحدة وتطبيق واحد، ولنا أن نتخيل بعدها مستوى الراحة وجمال التجربة!