كلما فتحت المذياع، أو مررت على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى شممت عطر الغبطة، ورائحة الحسد في لقطة تلفزيونية عابرة، نما الوطن وتكاثر فيّ، تزايد عدد أهلي فيه، وتضاعفت مساحاته، وتأنسنت بيوتاته الخرسانية الشاهقة، واخضرّت صحراؤه.. هذا الشعور المتجدّد مع كل إشراق، لم يكن لولا أنه الوطن الذي تنبّه لذاته في همّتنا، واعتمد على حبنا له وإيماننا برشادة قيادتنا التي جاءت له وبه، هكذا نحيا تاريخنا اليوم بوطنٍ أكبر منا لدينا، وأكثر فينا بنا.. هذا الشعور المتباهي بخيالاتنا في غدنا، والمستيقظ لخطواتنا إليه يشكل اليوم ملامح السعودية العظمى، هكذا لم نكن نحتاج لأكثر من مؤمن بنا لنا، فجاءنا الملهم برؤيته وطنًا، وبالوطن نموذجًا لرؤيته، هكذا هكذا نرصد خطواتنا اليوم ثقة بها، وانتظار لاخضرار الأرض أثرًا لها.. لغة الإحصائيات التي تحيط بنا أرقامًا وحقائق جعلتنا نرى مرايانا أجمل منا، ومشاريعنا أكبر بكثير من رحلاتنا السنوية السابقة للبلدان الكبيرة أو كما كنا نتوهّم حدّ تفريغ مدننا منا في بعض الأحيان..! هذه الملامح الكثيرة والمتعددة التي تنمو فينا شعورًا وطنيًّا عاليًا وثابتًا لم تأتِ من خطبٍ رنّانةٍ، أو وعود وهميّة موظّفة، إنها ملامح محققة إثر وعود صادقة، حيث وطن يقوده رجالٌ أقوالهم أفعال وأفعالهم آمال ورؤياهم غدٌ ضرب جذوره في الأمس.. نسقيه اليوم ليفترّ غدًا... أعلم أن لغة الشاعر حالمة في زمن الواقع، وكلماته مفردات تتناثر على السطر في زمن الأرقام الموثّقة والحقائق المرصودة، لكنها في المقابل افتتان عاشق، وقصيدة مواطن، وشهادة تاريخ يكتبها الرضا، ويصادق عليها الواقع.. فاصلة: على مَهَلٍ ليست الريحُ تحتي .. وليست علي كأني فم الضوء حين استقامت يدي للكتابة جئت أنقّط سطر البعيد .. على أول السطر .. مات أبي وهو يروي .. وفي وسط السطر.. أمّي ترجّ حليب الحكايا وفاتحة النص جدي .. ينازل بالسيف ظل النخيل .. وينسج أزمنة .. للحفيد!