على مدى الأسابيع الماضية.. كان لي أن أتنقّل عبر مناطق المملكة المختلفة.. أقطف من هنا ذكرى، ومن هناك حلم، وفي كلّ كنت أعود موعودًا بزمنٍ آخر، وعمرٍ لم ألتقهِ بعدْ..! نعم.. هنا الوطن يتشكّل «رؤيةً»، ويتسامى تاريخًا، ويتواشج أثرًا.. أغمض عينيَّ بينما يحملني كرسي الطائرة على غيمة من غروب.. أغمضهما.. فتعبرهما أطياف المستقبل عبر صور متسارعة .. جمعت البحر بالرمل والنخلة بالجبل، والإنسان بغده الذي تشكّلَ منه له... هنا الوطن .. حيث يتزامن الالتصاق به، مع العمل لأجله..! هنا «السعودية» تفخر بمكانها تمامًا كما تكبُر بإنسانها ... تكثر بخيراتها .. تمامًا كما تُذكر بخبراتِها... إنه اليقين الذي يرتفع معه الإيمان بالغد، والشعور المتنامي بالوطنية الحقة حينما يكون الوطن ما يمثّل الوجود فينا، وحينما نراه على كل الأزمنة والعصور شجرةً أولها الثمر وآخرها الظلالْ..! ولكن لِمَ اليوم .. نردّد هذا ونتنفّسه كلما تلقّتنا الشمس في صباح جديد..؟! ربما لأن الجديد أننا أدركنا أخيرًا ذاتنا بعد أن زهدنا فيها، واكتشفنا قدراتنا بعد أن ادخرناها تنمية وعملاً منذ أكثر من قرنٍ من الزمان..! نعم اليوم ليس أكثر من انفتاحنا الحقيقي على واقعنا .. حيث تتصدر المملكة الحدث دعمًا للحق، وقوّة على الباطل .. حيث تتكشّف الأقنعة حولها.. وتتساقط دونها الدسائس والمؤامرات ولا يزيدها إدراكها لذاتها إلا سموّاً وحضورًا عالميّاً لم يسبق له نظير ..! هنا الوطن .. حتى وإن كان في قلب شاعر عصفور .. إلا أن هذا العصفور ظل ما يقارب الأربعين عاماً مسجوناً في قفص الأوهام .. لهذا حينما حلّق في سماء هذا الوطن أدرك أن غده الفضاء .. وأيامه المستقبل.. فاصلة : على قلقٍ ليست الريح تحتي وليست عليّ..! كأني فم الريح حين استقامت يدي للكتابةِ جئتُ أنقّطُ سطر الصباحْ .. على أوّل السطر: مات أبي وهو يحلمُ في وسط السطر: أمي ترجّ حليب الأماني وفي آخر السطر: جدّي.. ينازل بالسيف ظل النخيل وينسج أزمنةً لا تُباحْ ..! Your browser does not support the video tag.