ترى وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» أن شركات الطاقة كثيفة إنتاج الكربون في الدول الخليجية، وبالتحديد شركات النفط والغاز والمواد الكيميائية، أنه من غير المرجح أن تقوم بتعديل استراتيجياتها وإنفاقها بشكل مؤثر في السنوات الخمس المقبلة لمواجهة التحول المتسارع للطاقة، حيث تدرك الكثير من الشركات المخاطر والفرص التي تنتظرها وبعضها ملتزم بتقديم التزامات حقيقية بالأهداف البيئية، ولكن الجداول الزمنية لتحقيق هذه الأهداف أطول من نظيراتها العالمية ولا نتوقع أن نشهد تحولات في أوضاع الأصول على المدى القصير إلى المتوسط. وأعلنت بعض الدول الخليجية، وتحديداً الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين، عن التزامها بصافي انبعاثات كربونية صفرية للوصول إلى صافي صفري للانبعاثات، وستحتاج الحكومات إلى ضمان موازنة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو الناتجة عن أنشطة الشركات المحلية من خلال إزالة نفس المقدار من الجو، تؤكد هذه التحولات في السياسة أن البلدان الغنية بالنفط في المنطقة تفكر بشكل متزايد في تحول الطاقة في أهدافها بعيدة المدى، وسيكون لشركات الطاقة المحلية الكبيرة، أكثر من المناطق الأخرى، والتي تساهم بشكل كبير في الاقتصادات، دور حاسم لتحقيق أهداف الحكومات، نظراً لحجمها الكبير وبصمتها البيئية. وبدأت أهداف الحكومة بالوصول إلى قطاع الطاقة، على وجه التحديد، تعمل الكيانات الكبيرة المرتبطة بالحكومة، مثل شركات النفط الوطنية وشركات الكيماويات الكبيرة التي تتمتع بروابط قوية جداً مع الحكومات، على مواءمة استراتيجيات الاستدامة لديها مع أهداف الاستدامة الوطنية. والتزم عدد قليل من الشركات الكبيرة - بما في ذلك أرامكو، والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك؛ A-2/مستقرة/A-) بأهداف صفرية صافية، مما سيساعد في تحقيق التزامات اتفاق باريس الخاصة ببلدانهم. بالإضافة إلى ذلك، حدد عدد من الشركات الكبيرة الأخرى، بما فيها "شركة بترول أبوظبي الوطنية" في دولة الإمارات العربية المتحدة و"قطر للطاقة" (--/مستقرة/AA-) في قطر، أهدافاً لخفض انبعاثات الكربون، بما في ذلك الالتزام بإيقاف على الحرق الروتيني (حرق كميات كبيرة غير مرغوب فيها من الغاز أثناء استخراج النفط الخام) وتقليل كثافة الكربون. مع ذلك، ما يزال من غير الواضح إلى حد ما الآلية التي تستخدمها شركات الطاقة الخليجية ذات الأهداف البيئية في تحديد هذه الأهداف. وعلى وجه الخصوص، المدى الذي يتم فيه تضمين انبعاثات النطاق 3 - أي الانبعاثات الناتجة عن استخدام منتجات الشركة من قبل المستخدمين النهائيين - في أهداف الشركة ومعالجتها ما يزال بعيد المنال. هذا التفصيل مهم للغاية، نظراً لأن انبعاثات النطاق 3 تمثل الحصة الأكبر من إجمالي انبعاثات العديد من الكيانات العاملة في المنطقة. وبالمقارنة، فإن شركة "بي بي" (A-2/مستقرة/A-) في المملكة المتحدة، إحدى الشركات الرائدة في القطاع في مجال تحول الطاقة، بدأت بإصدار تقارير عن انبعاثات النطاق 3 منذ عام 2019 وهدفها الوصول إلى انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2050 أو قبل ذلك بما في ذلك انبعاثات النطاق 1 والنطاق 2 في أنشطتها بالكامل وانبعاثات النطاق 3 للكربون من أنشطة إنتاج النفط والغاز في المنبع. ومسارات شركات الطاقة الخليجية لتحقيق تلك الأهداف البيئية في السنوات القادمة أقل تفصيلاً وإلزامية من معظم كبرى الشركات العالمية في هذا المجال، من وجهة نظرنا، على الرغم من أن الالتزامات البيئية تشكل جزءاً متزايداً من الإستراتيجيات الشاملة لشركات الطاقة في الدول الخليجية، إلا أن الأهداف المتوسطة الأجل للشركات الأكبر تكون أكثر ليونة من أهداف معظم النظراء الدوليين واستراتيجياتهم لتحقيق هذه الأهداف تكون أقل وضوحاً. على سبيل المثال، تهدف شركتا "قطر للطاقة" و"أدنوك" إلى الحد من كثافة الكربون في المنبع بنسبة 15% بحلول عام 2030 و25% بحلول عام 2030 (السنة المبدئية لشركة "قطر للطاقة" هي 2013 ولم يتم تقديم السنة المبدئية لشركة "أدنوك")، على الرغم من أن استراتيجياتهما لتحقيق هذه الأهداف غير واضحة. وفي الوقت نفسه، تستهدف شركتا "بي بي" و"شيل" للوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 وقد وضعتا أهدافاً مؤقتة. بالنسبة لشركة "بي بي"، يشمل ذلك تخفيضاً بنسبة 20% (في انبعاثات النطاق 1 والنطاق 2) بحلول عام 2025 و50% بحلول عام 2030 (السنة المبدئية 2019)، وتهدف شركة "شل" إلى خفض كثافة الكربون الصافية بنسبة 20% بحلول عام 2030 و45% بحلول عام 2035 (قبل تطبيق حكم لاهاي، السنة المبدئية 2016). تتضمن إستراتيجية شركة "بي بي" أيضاً خفض إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40% بحلول عام 2030، وبنفس الوقت زيادة حصتها من إنتاج الغاز الطبيعي والاستثمار في أنشطة الطاقة المتجددة، على سبيل المثال. تتضمن استراتيجية شركة "شل" خفض إنتاج النفط، والاستثمار في احتجاز الكربون وتخزينه، واستخدام تعويضات الانبعاثات، وتعزيز ثقافة الانبعاثات الصفرية من خلال ربط أجور أكثر من 16500 موظف بخفض الانبعاثات، من بين مبادرات أخرى. رأس المال الأخضر ويتزايد إنفاق رأس المال الأخضر، ولكن من غير المرجح أن يغير أوضاع الأصول قريباً، وفي هذا السياق نتوقع أن ترتفع النفقات الرأسمالية لشركات الطاقة تجاه الجهود البيئية في العقد المقبل، ولكن من قاعدة منخفضة، وهناك اعتراف واضح من شركات الطاقة الخليجية بالفرص والتحديات التي يطرحها تحول الطاقة، ومع ذلك، نعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً قبل أن تتبلور استراتيجيات استدامة واضحة المعالم (كماً ونوعاً) يدعمها خطط إنفاق هادفة. تشارك الشركات في مبادرات الاستدامة، ولكنها غالباً ما تمتلك حصص أقلية فقط في هذه الاستثمارات. تستثمر معظم شركات النفط الوطنية في المنطقة في مصادر الطاقة المتجددة، وتطرح الهيدروجين الأزرق والأخضر، فضلاً عن بيع الأمونيا الزرقاء لتعزيز التوجه نحو الطاقة النظيفة، ولكنها تفعل ذلك إلى حد كبير من خلال الشراكات مع مزودي الطاقة ومشغلي المرافق أو الشركات الدولية. لذلك، لا نتوقع أن يؤثر ذلك بشكل كبير على التدفقات النقدية والنفقات الرأسمالية الإجمالية لشركات النفط الوطنية وشركات الكيماويات التي نُصنّفها على مدى السنوات الخمس المقبلة. ومع ذلك، لاحظنا في قطاع النفط والغاز بعض الاستثمارات الجديرة بالذكر في مشاريع صديقة للبيئة، ففي ديسمبر 2021، أعلنت شركة "أدنوك" وشركة "أبوظبي الوطنية للطاقة ش.م.ع" عن مشروع استراتيجي بقيمة 3.6 مليارات دولار أمريكي لإزالة نسبة كبيرة من الكربون من عمليات الإنتاج البحرية للشركة وتقليل البصمة الكربونية لعمليات الشركة البحرية بأكثر من 30%، حيث ستمتلك "أدنوك" حصة 30% من المشروع، وفي ديسمبر 2021، أعلنت شركتا "أدنوك" و"طاقة" عن انضمامهما إلى شركة "مبادلة للاستثمار" (100% من المساهمين في شركة "المعمورة العالمية المتنوعة القابضة" [A-1+/مستقرة/AA]) لتصبحا مساهمتين في شركة "مصدر"، وهي شركة طاقة متجددة مملوكة للحكومة، لدعم دور دولة الإمارات في تحول الطاقة، واللتان ستجمعان محافظ الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر التابعة للشركات في "مصدر". وهذا يُترجم إلى قدرة مجتمعة حالية وملتزمة وحصرية تبلغ 23 جيجاوات من الطاقة المتجددة (مع خطط للوصول إلى 50 جيجاوات على الأقل بحلول عام 2030)، مع امتلاك شركة "طاقة" حصة 43% من أعمال الطاقة المتجددة في "مصدر" مع احتفاظ "مبادلة" بحصة 33% وامتلاك "أدنوك" لحصة 24% عند إتمام الصفقة. وفي الوقت نفسه، ستستحوذ شركة "أدنوك" على 43% من أعمال الهيدروجين الأخضر في "مصدر"، مع احتفاظ "مبادلة" و"طاقة" بحصص 33% و24% على التوالي. وفي مارس 2022، أعلنت "سابك" عن تعاون جديد مع شركة "كراتون" لتقديم البوتادين المتجدد المعتمد من محفظتها "تروسيركل" لاستخدامه في البوليمرات المشتركة للكتل الستيرينية المتجددة المعتمدة من "كراتون". كما أعلنت الشركة أنها حصلت على 300 جيجاواط/ساعة من طاقة الرياح لموقعها للبتروكيماويات في هولندا. يشار إلى أن "سابك" تخطط لإضافة 4 جيجاوات/ساعة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جميع مواقعها العالمية بحلول عام 2025. وفي سبتمبر 2021، أعلنت شركة "إم إي جلوبال" التابعة لشركة "ايكويت" (A-2/إيجابية/BBB) أنها أبرمت اتفاقية مدتها خمس سنوات مع شركة "كالبين إنيرجي سوليوشن" لشراء أكثر من 1.5 ميغاواط/ساعة من الكهرباء من مصادر متجددة لتلبية 100% من الاحتياجات المتوقعة لموقعها أويستر كريك في الولاياتالمتحدةالأمريكية اعتباراً من عام 2023. ونعتقد أن هناك عدة أسباب تجعل شركات الطاقة الخليجية أقل حماساً لتسريع الإنفاق على الأهداف البيئية، حيث يعكس الافتقار إلى الحاجة الملحة لتكثيف الجهود البيئية أن شركات النفط الوطنية الخليجية قد تكون محمية بدرجة أكبر من نظيراتها العالمية من مخاطر تحول الطاقة على المدى القريب، ونعتقد أن شركات النفط الكبرى في الدول الخليجية ستواجه على المرجح الآثار التجارية والمالية الحتمية لتحول الطاقة في مرحلة لاحقة لنظرائهم العاملين في مجال النفط في مناطق أخرى، نظراً لاحتياطاتهم الكبيرة والوفيرة، والوضوح الجيد للتدفقات النقدية، والأوضاع الجذابة والتنافسية من حيث التكلفة، مما قد يجعلهم الأكثر صموداً في مواجهة آثار تحول الطاقة بين منتجي النفط. تعود مليكة جزء كبير من هذه الشركات للحكومة، وبالتالي فإن المساهمين النشطين كانوا أقل تأثيراً عليهم لتسريع الاستثمارات في تحول الطاقة ولاتخاذ قرارات استراتيجية صعبة يمكن أن يكون لها فوائد بيئية طويلة الأجل، ولكنها من المحتمل أن تترجم إلى انخفاض في الربحية والأرباح على المدى القصير. على هذا النحو، نعتقد أن هذه الميزات التي تدعم الجودة الائتمانية الحالية القوية للغاية لشركات الطاقة في الدول الخليجية تسهم أيضاً في إبطاء تضمين أهداف أداء الاستدامة الطموحة والمتوسطة المدى في استراتيجيات شركاتهم. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد شركات الطاقة الخليجية أيضاً من المواد الأولية الغازية منخفضة الكثافة مثل الميثان والإيثان للإنتاج النهائي مع تكاليف سحب منخفضة للغاية، وهذا يعني أن شركات الطاقة الإقليمية في وضع أفضل من منظور انبعاثات غازات الدفيئة من معظم نظيراتها العالمية، حتى من الشركات منخفضة التكلفة كتلك القائمة في روسيا.