توافق يوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك، الذكرى الخامسة لبيعة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- تلك المناسبة العزيزة على قلوب أبناء المملكة، والتي شكلت نقطة تحول فارقة في مسيرة التنمية والعمران والتحديث، وهو ما تؤكده المنجزات والمكتسبات التي نلمسها جميعًا في شتى القطاعات والمجالات، وعلى مستوى كافة شرائح وفئات المجتمع، إذ جاء ذلك كنتاج لجهد متواصل وخطة محكمة وإدارة علمية منهجية وضع ركائزها في الرؤية الرائدة الطموحة «رؤية السعودية 2030»، بنظرة شاملة ومسارات متوازية، والتي بفضل الله عز وجل، ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وتوجيهات سمو ولي العهد -حفظهما الله- وإخلاص ومثابرة وهمة السعوديين، استطاعت أن تحقق نهضة كبرى وقفزات تنموية عملاقة، توثقها تقارير ومؤشرات صادرة عن كبريات المنظمات التنموية الحكومية الدولية. استحداث أنظمة تحفظ الحقوق وتُرسِّخ العدالة وتُحقق التنمية الشاملة الأعوام الخمسة الماضية جاءت حافلة بالإنجازات على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والخدمية والاجتماعية والثقافية، في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» خلال العامين الماضيين، وما أحدثه من تداعيات غير مسبوقة على نمط الحياة وحركة التجارة والأسواق الدولية، ووتيرة النمو الاقتصادي العالمي. مستقبل مزهر وتمكن ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بشخصيته الكاريزمية وأفكاره الخلّاقة ومبادراته الرائدة ونهجه الإداري المؤسسي القائم على العلم والكفاءة أن يخطو بالمملكة خطوات واسعة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا، إذ يتمتع سموه -حفظه الله- بذهن مُتقد ومعارف متعددة وخبرات تراكمت عبر العديد من المحطات في مسيرته سواء في القطاع الحكومي أو في ميدان العمل الخيري والاجتماعي، فضلًا عن امتلاكه كافة الصفات القيادية من الكفاءة والبصيرة والحكمة والإلهام والقدرة على تحمُّل المسؤولية الملقاة على كاهله، والقدرة على التفكير السليم وقت الأزمات، وامتلاك مهارات التواصل، والثقة بالنفس، والرغبة والطموح في نجاح العمل، والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة في كل الظروف، والانتقاء الفائق لفريق العمل، وتوظيف كل فرد في الدور المؤهل لأدائه بأعلى درجات الكفاءة والفاعلية، وقد سبق وأن لخّص سمو ولي العهد بكلمة موجزة للغاية كيفية اختياره لفريق العمل المعاون له بالإشارة إلى عنصر «الشغف» بوصفه أكبر دافع للمسؤول لأن يتحرك بأكبر قدر ممكن، ليقدم سموه بذلك نموذجًا يُحتذى به في فنون الإدارة والقيادة كما يجب أن تكون، ليسير كل مسؤول على تلك الخطى سعيًا لتحقيق الهدف الأسمى، وهو رفعة وتقدم ونهضة وطننا الغالي، وتخريج أجيال جديدة من تلك المدرسة الإدارية الواعدة. روح المبادرة وروح المبادرة أبرز السمات المميزة لخطوات سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تم إطلاق العديد من المبادرات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية داخليًّا وخارجيًّا، أبرز تجميعها سياسة سموه القائمة على سرعة التحرك الاستباقي وليس رد الفعل، وظهر ذلك على سبيل المثال وليس الحصر في تدشين مشروع «ذا لاين»، ضمن نطاق منطقة نيوم الاقتصادية شمال غرب المملكة، الذي يعد أنموذجًا فريدًا لما ينبغي أن تكون عليه المدن الحضرية، ونواة للمدن الذكية العالمية، فتلك المدينة المليونية ستكون بلا ضوضاء أو تلوث، وتحقق «صفر انبعاثات كربونية»، كما أنها ذات جدوى اقتصادية؛ إذ تضيف نحو 48 مليار دولار أمريكي إلى الناتج المحلي للمملكة في 2030، بجانب أنها ستوفر 380 ألف فرصة عمل. وتجلت روح المبادرة أيضًا لدى سمو ولي العهد الأمين في اتخاذ خطوات نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية، وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالميًّا عبر مرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحة ومحددة، من خلال الإعلان عن منظومة التشريعات المتخصصة الجديدة التي تشمل مشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام الإثبات، وقد تم بالفعل إقرار المشروعين الأخيرين. تمكين وكفاءة واتصالًا بالأبعاد الاجتماعية، جاء إطلاق صاحب السمو الملكي ولي العهد -أيده الله- برنامجاً لدعم مجالات المبادرات الاجتماعية غير الربحية في 30 ديسمبر 2018م، تحت اسم «سند محمد بن سلمان»، والذي يهدف من خلال مبادراته المتعددة والمبتكرة، إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأبناء المملكة، وتطوير منظومة الرعاية الاجتماعية؛ لتكون أكثر تمكينًا وكفاءةً، بالإضافة إلى ذلك، كان لقضايا البيئة نصيب كبير من مبادرات سموه في ضوء اهتمامه الكبير بظاهرة تغير المناخ من خلال التعامل مع تلك القضية من منظور حقوقي، باعتبار أن تلك القضية تتعلق بحقوق الإنسان، لأن آثارها المدمرة لا تقتصر على البيئة فقط، بل تشمل أيضًا رفاهية البشر، إذ تنعكس التأثيرات الضارة لتغير المناخ على حقوق الأفراد في الحياة والصحة والغذاء والماء والمسكن وسبل المعيشة، وفي هذا الإطار جاء إطلاق سموه مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر اللتين تهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10 % من الإسهامات العالمية، وزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة، بالإضافة إلى العديد من المبادرات النوعية، وقد لاقت المبادرتان تأييدًا من المجتمع الدولي، واتخذت المملكة منحى عمليًّا لوضعهما موضع التنفيذ من خلال استضافتها منتدى لمبادرة السعودية الخضراء، وقمة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، بحضور القادة والمسؤولين في المجال البيئي. وهكذا أضحت السعودية صاحبة الدور الريادي في هذا الشأن الحيوي المهم والمؤثر على مستقبل العالم برمته، مما يعكس استشعار صاحب السمو الملكي ولي العهد -حفظه الله- لأهمية بلورة رؤية وتحرك جمعي ينبع من المسؤولية التضامنية عن سلامة العالم، مع الإشارة إلى أن المملكة راعت تلك الجوانب أيضًا عند صياغة سياساتها التنموية، والتي راعت هدف تقليل الانبعاثات الكربونية والمزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة. متزامن ومتسارع وشكلت «رؤية السعودية 2030» وثيقة حاكمة لكافة جهود التنمية وإجراءات وخطوات التحديث التي تشهدها المملكة بشكل متزامن ومتسارع في مختلف مناحي الحياة، في إطار انطلاقها من هدف رئيس، وهو تنويع اقتصاد المملكة، وتقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية، كما بلور سمو الأمير محمد بن سلمان، عرّاب الرؤية الطموحة لتلك الوثيقة مستهدفات تحقق الريادة للمملكة في قطاعات واعدة على مستوى العالم، من أبرزها ترسيخ أقدام المملكة العربية السعودية كلاعب عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا احتلال مكانة رائدة عالميًّا في صناعة 4.0 - الاتجاه الحالي للأتمتة وتبادل البيانات في تقنيات التصنيع-، مع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من أجل مستقبل مستدام بالكامل وموجه رقميًّا، ولعل هذا، ما أكدته كلمة سمو الأمير محمد بن سلمان في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي نظمتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي -سدايا- على هامش رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، حين قال سموه: إن عام 2020 بلا شك كان عامًا استثنائيًّا لاختبار إمكانات الذكاء الاصطناعي، داعيًا جميع الحالمين والمبتكرين والمستثمرين والمفكرين للانضمام إلينا في المملكة لتحقيق طموحاتنا معًا وبناء نموذج رائد. حنكة ومهارة ومثّل ملف السياسة الخارجية والعلاقات مع القوى الكبرى في النظام الدولي إحدى المحطات البارزة التي أظهرت ومضات مما يتمتع به سمو ولي العهد من حنكة ومهارة في إدارة العلاقات الخارجية للمملكة، إذ تقوم فلسفته في السياسة الخارجية على مصلحة السعودية وأمنها، وبناء النفوذ بما يحقق تلك المصلحة، لذا عمل سموه على تعزيز تحالفات المملكة مع جميع الشركاء حول العالم، وفي ذات الوقت لطالما أكد بعبارات واضحة أن المملكة لن تقبل من أي دولة محاولة التدخل في شأنها الداخلي. وشكّلت ورقة النفط وما تشهده أسواق الطاقة الدولية من تذبذب واضطراب بفعل التطورات السياسية والعسكرية على الساحتين الإقليمية والعالمية إحدى الأوراق المهمة التي أدار سمو ولي العهد بواسطتها «الدبلوماسية النفطية» بكل حكمة واقتدار ومسؤولية، وتواصل المملكة في ضوء جهود سمو ولي العهد وأهداف السياسة الخارجية السعودية خطواتها لتعزيز دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، ومساعيها نحو إحلال السلام والاستقرار، فضلًا عن تعزيز التعاون مع العالم الخارجي عبر تدشين مجالس التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية، وقد زادت تلك الخطوات من ثقل المملكة ورسخت مكانتها الدولية. تجديد الدماء وختامًا، يمكننا القول إن اختيار الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، كان إيذانًا ببدء مرحلة لتجديد الدماء، ونقطة تحول تاريخية في خارطة المملكة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، ويؤكد ذلك ما شهدته وتشهده من تحولات غير مسبوقة في هيكل الإدارة ونمط الحياة في المملكة مقارنة بعقود مضت، إذ اتسم نهج سموه -حفظه الله- بقوة الأفكار وتفردها وسرعة انتشارها، فضلاً عن ثقته بإمكانات ومقومات المملكة وقدرات شعبها، وهو ما تجلى في أكثر من تصريح لعل أهمها العبارات الآتية: «أغلى ما نملك في المملكة العربية السعودية هو المواطن السعودي»، و»همتنا مثل جبل طويق» و»طموحنا عنان السماء». ومن هذا المنطلق، لم يكن من المستغرب اهتمام سموه بدعم ورعاية الشباب والمرأة، فقد حظيت الأخيرة باهتمام بالغ عبر عمليات متدرجة لتمكينها وإطلاق الطاقات الإبداعية الكامنة لديها، وإفساح المجال أمام مشاركتها الفاعلة في النشاط الاقتصادي وسوق العمل، وأصبحت جهود سمو ولي العهد نموذجًا ملهمًا للعزيمة والإرادة القوية والتخطيط العلمي الاستراتيجي والتنفيذ الدقيق، من أجل بناء نهضة حديثة، وصناعة علامة وطنية للمملكة تعكس جهود التطوير والتحديث التي تشهدها البلاد في شتى القطاعات، ومختلف المجالات بفضل منجزات الرؤية الطموحة «السعودية 2030». ولي العهد دشّن مشروع «ذا لاين» كنموذج على المدن الحضرية الأمير محمد بن سلمان أثناء افتتاحه أحد المشروعات الوطنية إقامة ملتقيات توظيف لإيجاد فرص عمل للشباب والشابات