عرفت المجتمعات والشعوب والأمم منذ القدم في مختلف الأزمنة والعصور التحكيم كوسيلة لفض المنازعات وإزالتها، وهو أحد الوسائل لقطع الخصومات القائمة بين الأطراف المعنية، وهو يعتبر قضاء كونته الإرادة المشتركة بين الأطراف؛ فهو قضاء ولكنه قضاء من نوع آخر، وهو في حقيقته ليس اتفاقاً محضاً ولا قضاءً محضاً وإنما هو نظام يمر عبر مراحل متعددة؛ فهو في أوله اتفاق وفي وسطه إجراء وفي آخره حكم، والسمة الرئيسية للتحكيم هي طبيعته التوافقية؛ فلا يصح حل النزاعات عن طريق التحكيم إلا إذا كانت هناك موافقة تامة وصريحة بين الأطراف كافة وأن يكون التعبير عن الإرادة صريحاً وواضحاً في اللجوء إلى التحكيم؛ فأساس التحكيم هو إرادة الأطراف الذين اختاروه للفصل في النزاع الحاصل بينهم؛ فهو ينشأ عادة نتيجة اتفاق الأطراف المتنازعة عليه إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة، وهو إحدى طرق حل المنازعات يلجأ له أطراف العقد لحل بعض المنازعات لما قد يوفره من مزايا؛ فهو عملية سريعة إلى حد كبير في حل المنازعات، كما يوفر إمكانية التحكم بمواعيد جلسات التحكيم بحيث تناسب احتياجات الأطراف المعنية وذلك لأن عملية التحكيم برمتها عملية مرنة. وقد بدأ التحكيم في الآونة الأخيرة يتطور ويتسع نظراً لما يتسم به من توفير الوقت وبساطة وسهولة الإجراءات، كما يتيح للخصوم انتقاء المحكمين ممن لديهم الخبرة الكافية والتخصص الدقيق في تسوية نوع معين من أنواع المنازعات. ويجب على المحكم الالتزام بالحيادية التامة والمساواة الكاملة بين أطراف النزاع المختلفة في منحهم الفرص الكاملة لإبداء طلباتهم وتقديم دفوعهم، وكذلك التأكد من صحة وسلامة جميع الإجراءات المتبعة في عملية التحكيم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن شرط التحكيم والذي هو عبارة عن نص يتم إدراجه في العقد وبموجبه تلتزم الأطراف بإحالة كافة المنازعات التي قد تنشأ مستقبلاً عن العقد للتحكيم، ولا بد أن يتحلى بالصياغة الدقيقة بل وبدقة شديدة ؛ فقد ثبت أن أغلب المشكلات التي قد تعترض عملية التحكيم يكون مصدرها غموض وعدم وضوح بند التحكيم وسوء صياغته ونقصها وعدم اكتمالها في العقود مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى بطلان شرط التحكيم، ومن الملاحظ في بعض حالات إبرام العقود أن أطراف العقد يعولون على نماذج لعقود جاهزة عند إبرامهم للعقود على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك قد يكون من باب توفير التكلفة مع عدم تحسب وعدم احتراس لما قد ينشأ من نزاع، وعند حدوث النزاع تجد أطراف العقد تائهين، ولا يعرف كل طرف من أطراف العقد حقوقه وواجباته والتزاماته وتعهداته على وجه التحديد، فقد نجد أن العقد لا يتضمن مكان التحكيم ولا طريقة اختيار المحكم ولا مدة التحكيم ولا الأنظمة واجبة التطبيق على موضوع النزاع في حال حدوثه ونحو ذلك، مع ملاحظة لزوم أركان وشروط وضوابط صحة اتفاق التحكيم؛ فطريقة صياغة شرط التحكيم في ذلك العقد قد تؤدي إلى نزاع آخر قد تم إهمال تفصيله. عبدالله بن سعود العريفي