قبل أيام اتخذ البنك المركزي السعودي (ساما) عددا من الإجراءات الاحترازية لحماية عملاء البنوك من الاحتيال المالي، بناءً على ما تم رصده من ازدياد المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي الاحتيالية، بالإضافة إلى استمرار حالات الاحتيال المالي التي تستهدف عملاء البنوك بطرق ووسائل مختلفة. وكشفت "ساما" في تقرير "أبرز إحصاءات أساليب الاحتيال المالي لعام 2021" الذي صدر هذا الشهر عن جوانب لها انعكاسات على الموارد البشرية استرعت الانتباه، حيث ورد في التقرير زيادة عمليات الاحتيال المالي بطرق وأساليب متعددة من ضمنها التوظيف الوهمي. ومضى التقرير في السرد حتى تناول أبرز التحديات التي ساهمت في ازدياد حالات الاحتيال المالي، منها: النقص في الكوادر المؤهلة في وحدات مكافحة الاحتيال المالي (مشكلة توظيف)، وضعف في إجراءات وآليات تلقي بلاغات الاحتيال والتعامل معها من حيث الرصد والتحقيقات والتقارير (مشكلة تشغيل وتدريب). وكانت "ساما" قد ألزمت البنوك بإنشاء وحدات لمكافحة الاحتيال المالي ترتبط بإدارة الالتزام، وذلك بموجب دليل "مكافحة الاحتيال المالي" الصادر في أغسطس 2020، الذي حل محل دليل "مكافحة الاختلاس والاحتيال المالي وإرشادات الرقابة" الصادر عام 2008. فيما يتعلق بتحدي التوظيف (نقص الكوادر المؤهلة)، فإن وحدات مكافحة الاحتيال المالي تعد وحدات ناشئة يقل عمرها عن عامين، ويمكن معالجة "الكم" بتحديد "معيار" للعدد اللازم من الموظفين للوحدة في كل بنك، كأن تشترط "ساما" تحديد موظف مكافحة احتيال مثلا لكل 1000 عميل من عملاء البنك، بدلا من أن يترك تحديد عدد الموظفين لتقدير الإدارة، فبعض جهات العمل - إذا لم تكن ملزمة حكوميا - تميل نحو تحديد العدد الأدنى للتشغيل توفيرا للنفقات. أما معالجة "النوعية"، فيمكن أن يتم بعدة خيارات، من ضمنها إعادة توظيف من غادروا البنوك نتيجة الاندماجات وعمليات إعادة الهيكلة في القطاع والاستفادة من خبراتهم بعد تأهيلهم للعمل في تلك الوحدات. وفيما يتعلق بتحدي التشغيل والتدريب، نقترح أن تسعى "ساما" إلى توحيد الإجراءات والآليات في تلقي البلاغات والتعامل معها، مع تعزيز قدرات البنوك في تبادل المعلومات والتنبيهات عن طريق "مركز" - على غرار المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني - تحت إشراف "ساما"، وبالإمكان أن تكون "لجنة الإعلام والتوعية المصرفية" للبنوك السعودية نواة لتأسيس مركز تعزيز الأمن المالي. وبجانب الدور الذي تؤديه "الأكاديمية المالية"، نقترح أن تدعم العاملين في مكافحة الاحتيال المالي للحصول على الشهادات المهنية في مجالهم، بالإضافة إلى بناء الشراكات مع جهات حكومية منها "النيابة العامة" التي أعلنت عن إنشاء وحدات مختصة للتحقيق في جرائم الاحتيال المالي في ديسمبر 2021. إننا نضيق الخناق على المحتالين كلما سارعنا في الكشف عن أساليبهم، وتنبيه الجميع عن مصائدهم، والتعامل معها بطريقة احترافية، وهذا لا يتحقق إلا من خلال كوادر بشرية كافية، تملك الفطنة والمعرفة، وتسخر التقنية، وتنسق مع كافة الأطراف لحماية أمننا المالي.