لقد قام الإسلام على قواعد اجتماعية متينة مستمدة من الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهرة، وهذه القواعد نشأت عنها علاقات اجتماعية، لا تجدها في غير دين الإسلام؛ لهذا نجد في القرآن الكريم تعظيم حق الوالدين، ووجوب البر بهما، وعطف الله حقهما بعد حقه سبحانه، فقال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً)، وحق الأبناء بحسن التربية والرعاية، وجاءت السنة بالأجر المرتَّب على ذلك؛ خاصة لمن وهبه الله بناتٍ فأحسن إليهن، وحق ذوي القربى من الأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم، وحق الجار والمسكين والخدم وغيرهم؛ مما يوجب علاقة مبناها على التسامح والمحبة وسلامة الصدر، وفي عموم ما جاءت به الشريعة من توقير الكبير ورحمة الصغير، والإحسان إلى الضعيف والفقير، والوصية بالمرأة، أماً وبنتاً، وزوجة وأختاً وأنهن عوان عند أوليائهن، فكان حقاً عليهم الرفق بهن والإحسان إليهن، وهذا يُظهر ما للإسلام من جمال وجلال، وبناء متين وود وصفاء، لا مكان لمن استمسك به أن يحمل في قلبه إلا الخير للمسلمين، والمسامحة عن المخطئين. رمضان محل لكل خير ومدرسة للعبادة والأخلاق والتهذيب، وإذا ما استُثمر هذا الشهر الكريم؛ لتصفية القلوب، وبث التسامح والعفو والصفح؛ لتفوح رائحة الصفاء والنقاء في بستان المحبة والصلة والإخاء، قال االله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، قال القرطبي -رحمه الله-: «خذ العفو دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين». وهذا الكلام يدل على معنى التسامح وثمراته الطيبة، وحين يختلط بشرف الزمان؛ يتضاعف كماً وكيفاً، ويكون رمضان فرصة؛ لتعزيز هذه القيمة في المجتمع المسلم؛ فالتسامح يقضي على المشكلات ويقطع الطريق عن الخلافات، ويبني مجتمعاً مترابطاً متحاباً، يقابل الرجل أخاه في نهار رمضان بنفس طيبة يضيق فيها الشيطان، فيبطل كيده وشره بين المسلمين، ويجتمع المسلمون على الإفطار، وفي التراويح والقيام بنفوس لا يجد الشيطان مدخلاً إليها، فما أجمل التسامح! وما أجمل رمضان! وهبات الرحمن التي تجعل للحياة سعادة وهناءً، لو أنفقت أموال الدنيا؛ لما وُهبتها.