قبل سنوات لست أحصيها على وجه الدقة، وقعت بين يدي نسخة من صفحات ملحق "كتاب في جريدة"، الذي كانت تصدره صحيفة "الرياض" ضمن المشروع الثقافي العربي المنبثق عن إحدى مبادرات "اليونسكو". ما أزال أتذكر ذلك الملحق بكل تفاصيله، ويغلب على ظني احتفاظي به بين دفتي أحد مجلدات مكتبتي المبعثرة.. الملحق كان عبارة عن قراءة تلخيصية لكتاب حكاية الحداثة في المملكة للدكتور عبدالله الغذامي. تلك المصادفة رسمت بشكل غريب مسارات اهتماماتي القرائية وأيضاً الوظيفية، فما أزال أتذكر شدة انبهاري بتلك القراءة المجتزأة وتعلقي بشخصية الشاب القادم من معهد عنيزة العلمي مطلع الستينات الميلادية ليشتبك مع قضايا النقد الحديث والمعاصر، قبل أن ينتهي به المطاف عراباً للحداثة، تقام حول دراساته الندوات، وتفرد المقالات، وتحذر منه المحاريب والمنابر! فآليت على نفسي منذ ذلك الحين تتبع قصة ذلك الفتى ومحاولة استقراء نتاجه العلمي والمعرفي، رغم صعوبة استيعاب طالب ما يزال في سنواته الجامعية الأولى لمناهج ونظريات علمية تستعصي على كبار الدارسين، إلا أن الشغف والإعجاب حملاني على الاستمرار في تلك الملاحقة، إلى أن قرأت ربما غالب نتاج الغذامي ووقفت على معظم لقاءاته وحوارته التلفزيونية والصحفية. وفي الوقت نفسه تمخض عن تلك المصادفة شغف آخر بملاحقة إصدارات كتاب في جريدة الذي قادني لاحقاً لمتابعة الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة "الرياض"، أتلمس المتعة والمعرفة من أعمدته الثرية، وقراءاته الرصينة، ونصوصه الحداثية المتجاوزة؛ ليتخلق إثر هذا التتبع شغف متزايد نحو الاقتراب من هذا الصرح الثقافي والمعلم التنويري الرائد. لم يمضِ الكثير من الوقت حتى وجدتني مسؤولاً عن إعداد صفحات هذا الملحق، بل ومشاركاً في كتابة افتتاحية الصحيفة العريقة . وبالرغم من مرور السنوات إلا أن الملحق الثقافي لا يزال رافداً إبداعياً متجدداً، فكل الشكر للزملاء المحررين والأساتذة الكتاب والمبدعين الذين كانوا وقود نجاح واستمرار هذا الملحق، الذي سيظل منارة إبداع وتنوير بقيادة الزميل والأستاذ القدير عبدالله الحسني، الذي تعجز الكلمات عن إيفائه ما يستحق من عرفان وامتنان. ويمتد هذا الامتنان لتلك المصادفة الجميلة التي شكلت جزءاً مهماً من ذاكرتي الثقافية والمعرفية، وللدكتور عبدالله الغذامي على نتاجه المدهش والملهم، والمثقف والشاعر سعد الحميدين عرّاب هذه النافذة التنويرية وراعيها الأول.