في ليلة قمرية، احتضنت الصحراء أبناءها، على كثيبٍ باردٍ كصمتها، باستثناء البقعة التي أُضرِمت عليها نار التدفئة والضوء، حيث تحلّقَ حولها من يتحدثون بحماسة أحيتْ جمودَ الليل، يجلس كلّ منهم على كرسيّه، ما عداه.. فقد نسي إحضار أشياء كثيرة؛ لكثرة ما كانت مخاوف اللقاء بأناس جدد تطوّقه، كل من حوله يعرفون بعضهم من سنوات طويلة، اعتادوا الخروج معاً، يتبين ذلك من انسيابية التعليقات والضحكات والتشبيهات بينهم، بينما يبقى هو بعيداً عن مسار حديثهم، إلا حين يلتفت إليه أحدهم، سرعان ما يدفع عينيه بضحكته، أو بجملةٍ تشبه محاولة الاتزان على شعرة.. من الصعب التعرف بمجموعة واللقاء بهم دفعةً واحدة، هكذا شعرَ.. رفع عينيه نحو الأفق، سرح بينما يتذكّر كيف كان يجلس على جهازه يتصفح الإنترنت، حين برز من الشاشة إشعار محادثة جديدة، بدا صاحبها مندفعاً للتعرف عليه، وافق هذا هوىً في نفسه، سرعان ما كان يهاتفه ليطلب منه الخروج برفقة «أشخاص، يحبهم قلبك»، كانت يقينية التعبير كافية لإقناعه. التفت تجاه إحدى سيّارات الدفع الرباعيّ، تذكر كيف أوقف سيارته قبل المغيب، وصافحَ سائقها، الذي أخبره بأنهم ينتظرونه بين كثبان شرق هذا المكان، نظر لهاتفه المنكفئ أمامه بينما يستذكر خبره أن المنطقة تخلو من أبراج الاتصال.. عاد للجلساء مفتشاً بين أحاديثهم عن فرصة.. يتحدثون حول ما يكترث له حقّا، يجمعون بين التاريخ والأدب والثقافة، يطرحون أسئلة وجوديّةً، ويتشاركون وجدانية الإجابة عليها، بدا أن الكرسيّ الذي يحمل كل واحد منهم، يجعله في ملكوت آخر، أعلى مما يمكن بلوغه مهما كانت درجة الانتباه.. غرس قدميه في الرمل ضجراً من عجز المشاركة، شعر بدفء الطبقة التي لمستها قدماه، دعاه ذلك لغرسها أكثر.. يُقال إن الرمل يخلص الجسد من شحنات الكهرباء، ويجعل الدماغ أكثر صفاءً، شعر بهذا الاستشفاء؛ سيعود إلى متابعة أحاديثهم، حتماً سيجد الثغرة التي يبحث عنها، والاستفهام الذي يمكنه تحدّيه. بعد لحظات.. لاحظ حركةً بجواره، مرت.. تمشي باتجاه شعلة النَّار، بدت معالمها تتضح، يكسوها السواد، اتسعت عيناهُ، أشار إليها منفعلاً: «أترون هذه الزائرة السوداء؟» التفت الجميع بحثًا عن تلك الزائرة، وقفوا مرحبين، أو ربما.. فزعين، سارع أحدهم لتدفئتها بالرمل، قام آخر برويها بكوب الحليب، أما آخرهم.. فقد أمسك بحذائه ليقرر بحزم؛ مكان فراشها الأخير.