الثانية والنصف صباحا من يوم الأحد صوت جرس التنبية يشتت هدوءًاً رتبه الليل وسكونه. تستيقظ مها وتلتفت نحو سريرٍ أزرق صغير عمره 8 أشهر ينام فيه أميرها الصغير ( أمير ) ،وبشوقٍ تتوجه نحوه و تتحسس وجه ذاك الصغير الذي ترى فيه أحلامها و أمنياتها و سعادتها بكل براءة. تطبع قُبلةً على جبينه و تشمه وهي مغمضة العينين،بعد مضي 5 دقائق يرن المنبه مجدداً فتُسرع لتستعد للخروج إلى المدرسة ؛ حيث تستقل باصاً برفقة مجموعة من المعلمات يأخذهن للقرية النائية التي تبعد عن محل إقامتهن 300ك. *** مشهد أول ... إنها الثالثة تماماً يرن هاتفها النّقال - لطيفة تتصل بك - وصل الباص وهو الآن أمام الباب . تركض نحو أمير تنظر إليه بشغف الأم ، تلتقطه من سريره، و تضمه بشده كأنها تغرسه في صدرها. ثم بلطف تعيده وتخلع جوربه الأخضر الصغير وتأخذه ، تغطي طفلها و تقف تتأمله. يقترب ناصر" زوجها" ويأخذها بحنان الحبيب حتى لا تتأخر على زميلاتها. يودعها بقُبلة و دعاء بأن تعود (( سالمة )) ..!. تسرع لتستقل الباص تجلس في مكانها المعتاد تخرج جورب أمير و تشير به وهي تبتسم، لكن حنان لم تنتبه فهي تصف بتذمّر للأخريات كيف كانت مديرتها متعنته و سلبيه. تشير بالجورب وتنادي" حنانو انظري" ينظر الجميع و يضحكن وتتمتم حنان وتكمل حديثها. بعد ساعة من المسير يسيطر النعاس على الجميع ، و يستسلمن له ؛إلا مها *** مشهد أخر ... ظلت تشم الجورب و تتأمله و تُحدّق من النافذه للطريق الشاحب ؛ تحدق وتصب صور أميرها وصوت مناغاته وحركة يديه العشوائية ، تصبها في المسافة الممتدة لتخفي لونها الداكن وشيخوخة ملامحها و برودها. وضعت رأسها على النافذه، أغواها النعاس واستجاب له طرفها فارتخى. النوم يملء المكان. صوت القرآن في المذياع. السائق يردد التلاوة. يمد يده نحو قنينة الماء يلتقطها يفتحها ويشرب يبعد القنينة عن فيه. ينظر بدهشة يلقي ب القنينة بعيداً عنه "إنها شاحنة تتوجه نحوه بسرعه" الطريق مسار واحد وباتجاهين. يضئ السائق الأنوار العالية يحاول أن يسيطر على الحدث لا جدوى الشاحنة سرعتها عالية يقرر أن يخرج عن المسار لينقذ المركبة ومن معه. في لحظة انحرافه نحو الرمل تصيب الشاحنة الجهة الخلفية ويفقد السيطرة على الموقف. ترتفع المركبة وتنقلب ثم تسقط أرضا على الجهة اليمنى. وُلِدَ الفجر بصمت تنفّس النور بحذر لأن رائحة الدم تسربت من تلك المركبة. ساعة. ساعتين من وقوع الحادث تحاول مها أن تفتح عينيها لكن! *** *** مشهد أخير ... -لحظة هناك أصوات رجال و إسعاف و صوت ناصر هناك شئ ثقيل واقع عليها كما أنها لا تشعر بقدميها. قررت أن تغمض عينيها بشده أحدهم يقول: الرجل يقول أنهن 6 إذاً تبقى اثنتان، كيف نخرجهن؟ آخر: أنا سأبحث حول السيارة ربما خرجت إحداهما من النافذة أثناء الحادث. و آخر :أنا سأساعد التي في الداخل لن أقف هكذا ربما احترقت السيارة و نحن ننتظر المختصين لينقذوها. مها:أنا؛ أنا داخل السيارة هل سأموت محترقه لا لا لا أمير ينتظرني بعد دقائق تشعر بيد حولها تنقّب عن جسدها الذي فقدت انتماءه لها. رأسها فقط لازال منها،يستجيب لها، قررت أن تحركه لعل تلك اليد تقع عليه و تُكتَب لها النجاة. فعلاً بحذر يخرجها الرجل و رويدا رويدا تشعر بأن صدرها عاد لها و أن السماء لازالت موجوده. فتحت عينيها ناصر أمامها ابتسمت ثم شعرت بأنها تهوي بسرعة عجيبه في حفرة اللاوعي. ظل ناصر يناديها؛ بصوته و دموعه و خوفه و حبه و أمله . استيقظت بداخلها قوة جعلتها تقاوم وتفتح عينيها مجددا إلا أن أطرافها لازالت منشقة عنها عاصيةً لأوامرها رغم محاولاتها لتحريكها. اقترب ناصر ، وبفرح همس: مها حبيبتي الحمد لله قالت بصوتٍ منهك: الجورب ، ناصر الجورب لم يفهم ناصر ماذا قالت اقترب اكثر كررت: الجورب سأل: أي جورب؟ "جورب أمير ألبسته أصابعي ، أريد أن أشمه" أخذ ناصر الجورب وقبل أن ينحني عليها لتشمه جِئنَ الممرضات و أخذن يدفعن السرير الذي تستلقي عليه في ذاك الممر الضيق بسرعة وتمتمت أمير انتظرني. شعر ناصر ببردٍ قاسٍ جداً يقتحم المكان وبحزنٍ عميق يعتصره. ألبس أصابعه جورب أمير و أخذ يشمه. و عيناه شاخصتنا تترقّب ، متى تعود مها؟ *** كتبه / إيمان الجريد " ثراء"