في الأسبوع الأول من تغطيات الإعلام الغربي التدخل الروسي في أوكرانيا قال كبير المراسلين الأجانب في شبكة CBS News، تشارلي داجاتا عن أوكرانيا: "هذا ليس مكانًا.. مثل العراق أو أفغانستان، الذي شهد صراعًا مستعرًا لعقود، إنه مكان متحضر نسبيًا وأوروبي نسبيًا حيث لا تتوقع ذلك أو تأمل أن يحدث ذلك". وفي مقطع آخر من قناة ITV News، قالت المراسلة لوسي واتسون: "الآن حدث لهم (للأوكرانيين) ما لا يمكن تصوره، هذه ليست دولة نامية في العالم الثالث، هذه هي أوروبا". مثل هذه التصريحات أثارت عاصفة من النقد والجدل حول العالم ومعها جملة تساؤلات حول المعايير والقيم الإعلاميّة أوقات الصراعات والحروب، وقد بات متوقعا أن تسمع وتقرأ في تحليلات الإعلام الغربي عبارات وكلمات متحيزة تتضمن "دولة متحضرة" و"العالم الثالث"، ولعل هذا ما جعل "واشنطن بوست" تنشر مقالا لأحد كتابها في 28 فبراير عنوانه يغني عن قراءة مضمونه بخصوص التحيزات العنصريّة العميقة في وسائل الإعلام الغربيّة في تغطياتها للأزمة الأوكرانيّة. ومن المستقر عبر تاريخ الصحافة (الإعلام) أن أكبر اختبار تتكشف فيه قيمة وقوة مفاهيم القيم الإعلاميّة والأخلاقيّة يأتي مع الأزمات والصراعات والحروب. إذ تبرز في مثل هذه الأوقات الاستثنائيّة تحديات العمل الإعلامي ومدى قدرة "الصحفيين" والمؤسسات الإعلاميّة على إعلاء قيم المهنة الراسخة مثل الحياديّة، الصدق، النزاهة، الدقة، الاستقلاليّة واحترام الكرامة الإنسانيّة. وحيث أصبحت شركات الإعلام (التقليديّة والرقميّة) العالميّة في بورصة المؤسسات التجاريّة عابرة للقارات فلم تعد القيم حاسمة في موضوع المحتوى بل تسير تبعا للأجندات السياسيّة والاقتصاديّة. ولهذا انخفضت ثقة الجمهور في وسائل الإعلام في معظم دول "الديمقراطيات" الغربيّة في السنوات الماضية بشكل واضح، وقد كشفت دراسة بعنوان: Trustworthiness of news media worldwide 2021 استفتت حول وسائل الإعلام الإخباريّة في 40 دولة أن مستويات الثقة أصبحت في وضع منخفض في كثير من الدول، والطريف أن الولاياتالمتحدة الأميركيّة وفرنسا كانتا من بين أدنى المعدلات في العالم عندما تعلق الأمر بمدى ثقة الجمهور في وسائل الإعلام . ويكشف تقرير لمعهد رويترز أن 29 % فقط من الجمهور يثق في وسائل الأخبار الأميركيّة وهي نتيجة أظهرت الوضع في أميركا أسوأ من بولندا والفلبين ومن بيرو، أما بريطانيا فلم يثق بوسائلها الإخباريّة سوى 39 % من بين 92000 من جمهور الأخبار الذين شملهم الاستطلاع في 46 دولة. * قال ومضى: قد قيل ما آفة الأخبار إلا رواتها..