قبل أيام قام صحافي عربي بتجاوزات ضد الدين الإسلامي، وما فعله ليس جديداً عليه، فهو يمارسه بحرية أكبر، منذ ما يزيد على عام، في برنامج تبثه قناة غربية ناطقة بالعربية، ويستضيف فيه شخصيات غير معروفة ومن جنسيات مختلفة، ولديه قناة على اليوتيوب تنقل محتوى حلقاته، ولعل الفارق أن ما قاله أخيراً قدم في برنامج معروف على قناة عربية، وقد تناقلت الأخباريات العالمية موضوعه، وبدأت حملة واسعة ضده في منصات التواصل، وتحركت الجهات الرسمية في بلده لمساءلته، ولا أدري لماذا لا تقوم دولته بمحاكاة ألمانيا وتركيا بأقل تقدير، فكلاهما ألزم يوتيوب بعدم نشر محتوى يتضمن دعاية للنازية أو إساءة لأتاتورك رغم محدودية تأثيرها. في عام 2009 أيدت المحكمة الأوروبية حكماً صدر في النمسا، وتم بموجبه تغريم سيدة من المجاهيل لإساءتها للإسلام، وجاء في الحيثيات أن الأدانة الجنائية ليس فيها انتهاك لحرية التعبير، لأنها راعت حقوق الآخرين في احترام مشاعرهم الدينية، فالتشريعات الدولية والإقليمية لا تقول بوجود حرية مطلقة للتعبير عن الرأي، وهناك باستمرار قيود واستثناءات تفرضها المصلحة العامة التي تمثل مصلحة الأغلبية في كل مجتمع، بالإضافة إلى ما يمكن أن يضر بالسلم والنظام العام، حتى وإن كانت القضايا عادلة، كما حدث مع سقراط وحرية الرأي في عام 399 قبل الميلاد، ومع غاليليو في محاكمته بتهمة كروية الأرض، في القرن السابع عشر الميلادي، ومع صحافي لوفيغارو في فضحه لاجتماع الرئيس الفرنسي ماكرون بمسؤول من حزب الله أثناء زيارته بيروت. حرية التعبير بدأتها بريطانيا، وكان ذلك في وثيقة الحقوق التي أقرتها خلال القرن الثامن عشر الميلادي، ولحقت بها فرنسا وأميركا بفعل الثورتين الفرنسية والأميركية، ما يعني أنهم سبقوا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومادته التاسعة عشرة، والذي صدر في عام 1948، علاوة على أنها محفوظة بنص المادة 43 من النظام الأساسي للحكم في المملكة، والعجيب أن حرية التعبير في المجتمعات الغربية القديمة، كانت مكفولة للأحرار دون العبيد، وفي هذا تمييز وعنصرية بطبيعة الحال. الرئيس الروسي بوتين قال على خلفية حادثة شارلي إيبدو المعروفة في 2015، إن ما تناولته الصحيفة لم يحترم حرية الاعتقاد ومشاعر المسلمين، وإنه يدخل ضمن أسباب التطرف ضد المجتمعات الغربية، وفي نوفمير 2020، قالت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، إن حرية الرأي لا يمكن أن تكون مطلقة وبدون كلفة، ومنظمة العفو الدولية، تؤكد على كفالة القانون الدولي لحرية التعبير، وبشرط عدم تضمينها دعوة للكراهية أو التحريض على التمييز أو العنف. الحلول الأمنية والقانونية ضرورية في التعامل مع من يتجاوز باسم حرية التعبير، وبطريقة تمنع استغلالها لاستهداف الغير، وتحفظ بالتالي الحرية المسؤولة وأمن المجتمع، وفي رواية زوربا الكل مربوط بحبله والاختلاف في أطوال الحبال.