قبل ثلاثة قرون، في منتصف عام 1139ه، الموافق لشهر فبراير من عام 1727م، أسس الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، الدولة السعودية الأولى، بعدما استفاد من كل التجارب والخبرات التي مرت بها نواة هذه الدولة وعاصمتها الدرعية، التي كانت قد تأسست في عام 850ه - 1446م، أي قبل ما يقارب 600 عام من اليوم. وقبل 6 أعوام، بدعم ورعاية من خادم الحرمين الشريفين، أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "رؤية المملكة 2030"، التي تسعى لاستثمار مكامن قوَّة المملكة، من موقع استراتيجي مميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربيٍّ وإسلاميٍّ ينبعان من إرث تاريخي تعتز به المملكة قيادة وشعبًا. ومنذ أيام قريبة، أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمرًا ملكيًا بتحديد 22 فبراير من كل عام، يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، ويصبح إجازة رسمية. من الأهمية قراءة الأمر الملكي على أنه حدث يعيد الاعتبار إلى وقائع التاريخ، ويؤكد اعتزاز المملكة شعبًا وقيادة بجذور هذه الدولة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها، وجذورها الممتدة في أراضي البطولات. للمملكة تاريخ ضارب في الجذور، يجب استحضاره لترسيخ وفهم الحاضر وتعزيز خطط المستقبل، ولعل هذا السبب هو ما جعل "رؤية المملكة 2030" تضع في مقدمة أهدافها المحافظة على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها، ونقلها للأجيال القادمة. من الواضح أن الرؤية هدفها القفز نحو المستقبل، لكن الأساس الفعلي لها يعتمد على معرفة وإلمام جيل الشباب - على وجه الخصوص - بهويتهم الوطنية، وقيم دولتهم الراسخة وإرثهم الثقافي والتاريخي، وما لذلك من دور كبير في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ قيم الولاء والانتماء. من هنا، من الضروري النظر إلى الأمر الملكي بالاحتفال بيوم التأسيس، على أنه أبعد من مجرد احتفال بيوم تاريخي لتأسيس الدولة السعودية الأولى، ولا يجب النظر إليه من هذه الزاوية "الكرنفالية" فقط. لقد تعرض تاريخ المملكة لحملات ممنهجة من التشويه والتضليل على مر العقود، تارة من جماعات سياسية مغرضة، وأخرى من مؤرخين تحركهم أهواء، وثالثة من دعايات دول استعمارية سابقة، وغيرهم كثيرون. ما يمكن استنباطه والتأكيد عليه من هذا الإعلان أيضًا، أنه انتصار المملكة لتاريخها العريق، وإبراز الحقائق والإنجازات الوطنية التي تعزز مشاعر الولاء والانتماء لدى مواطنيها، والتذكير بالموعد الأهم وهو تأسيس الدولة. تاريخ السعودية (في كافة مراحلها) مكتنز بالإنجازات والبطولات التي تنمي الشعور بالوطنية، واللذان يعدان من أهم ركائز الدول، لقد باتت الحاجة ملحة إلى إعادة قراءة وكتابة التاريخ السعودي، ليعلم جيل الشباب إلى أي مدى وصلت عراقة المملكة وإرثها التاريخي الغني الكبير. والسلام..