يصادف هذا اليوم 22 فبراير من كل عام ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود - يرحمه الله - الذي كان في عام 1727م، وبعده بزغت شمس حياة جديدة في الديار؛ إذ سطعت فيها بوادر ذيوع العلم والدين والاستقرار السياسي في الوطن؛ بعيداً عن الطائفية والخلافات القبلية في عهدٍ حديث، يتميز بلم الشعث والوحدة، يَعِدُ بقيام دولة قوية وراسخة، تنشر الخير في كل أرجاء الدنيا. والناظر ملياً إلى شعار التأسيس للدولة السعودية الأولى بناء على علم العلامات (السيميائية) الذي يدرس الرموز، يجد أنه يتكون من خمسة رموز رئيسة، وهي حسب التوالي مع التحليل السيميائي لها: صورة الصقر بجناحيه المفرودين، ممثلاً الانطلاق والأصالة والرياضة الأكثر شهرة في صحراء نجد (الصيد بالصقور)، وتقطن الدرعية مدينة المرحلة الأولى في قلب نجد، فأتى الصقر معبراً عن أشهر طيور المنطقة التي عُرفت بالقدرة على قنص الفرائس كطائر الحبارى؛ إذ إنّ الصقر علامة البسالة والإقدام والسطوة والقوة والظفر بتحقيق الأهداف، وهكذا هم قادتنا الأوائل لم يأل جهداً في خوض الحروب؛ لجمع القلوب. ثم يأتي الرمز الثاني، حيث تظهر صورة رأس الحصان في زوايا الشعار مكرورة، ويبدو منطلقاً يجري وشعره المتدفق يتمايل مع حركته؛ وهذا الرمز يعبر عن استمرار الفروسية، و»الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة»، وهي كانت وسيلة الفارس في خوض المعارك؛ إذ يعلو ظهرها منطلقاً نحو حماية عرضه وماله وبلاده ودينه، فالخيل تعبر بدورها عن الدفاع عن أرض الوطن على يد أبطالها أبد الدهر، فالحرب مواجهة صادقة للعدو؛ لإيقافه عند حدوده، وستبقى الخيول السعودية صورةً دالة على تشمير الهمم في كل المواقف التي ينبغي فيها حماية أمننا وأماننا، وهيبتنا وهويتنا. أما الرمز الثالث، فهو النخلة، التي تظهر بسعفاتها المتدليات في كل الاتجاهات، فهي رمز الكرم والعطاء والجود، وهي شجرة مباركة طيبة، وأرض نجد من البلاد التي عُرفت بزراعة صنوف التمر، وتخزينه بطرق مختلفة، قد عرفها أجدادنا منذ القدم تقديراً للضيف، واحتراماً لقدومه، وما تزال السعودية تكرم جيرانها، وتنشر خيراتها على كل البلاد العربية والإسلامية والعالمية؛ إيماناً منها بأهمية تعزيز الروح الإنسانية النبيلة في كل البلاد، وإشاعة الأمن والأمان. ثم يسطع في الشعار شكلٌ نصف دائري، يميل إلى الاستطالة، ويظهر مفتوحاً من جهة واحدة فقط؛ مدللاً على رمز السوق، وهو الرمز الرابع في الشعار، والسوق مكان التبادل التجاري والصناعي، والانفتاح على العالم، ووسيلة من وسائل نقل الثقافة والعلم والخبرات الحياتية في غضون ذلك، وهكذا صارت السعودية محط الأنظار قاطبة؛ لمركزها الديني والتوعوي، ثم السياحي والتجاري انطلاقاً إلى تحقيق رؤية 2030 حالياً. فبداية عهد التأسيس بداية النور متمثلاً في العلم والثقافة والأدب والتأليف المحلي في العهد السعودي. وكل تلك الرموز السابقة أتت محيطة بواسطة عقد الشعار، وهو الرجل الواحد الذي يحمل راية واضحة، ومن هنا يعكس الرمز أهمية الالتفاف حول قائد واحد؛ لتحقيق الوحدة والتماسك المجتمعي. فالناس ملتفة حوله، مشكلين وحدة واحدة، لا تنفصل على الرغم من كل الأحداث، أو المتغيرات التي تطرأ في مسارها الطبيعي، لكن الوطن سيبقى بالتكاتف، والحس الوطني العميق لهويتنا الواحدة متجانساً متراصاً. لقد أصبح الشعار برموزه الخمسة السابقة تعبيراً عن مسيرة تاريخية حافلة بكل القيم والمثل التي ينبغي غرسها في الجيل؛ ليستمر الوطن حياً بكل جميل وجليل. * ناقدة وأديبة وأكاديمية - جامعة حائل - قسم اللغة العربية