يدرس علم العلامات (السيميائية) أنساق الرموز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية، فيتضمن مجال العلامات كل ما يصنعه الإنسان، ويتفق معه الناس المحيطة به، سواء صدر بشكل عفوي أم مقصود. والناظر ملياً إلى شعار التأسيس للدولة السعودية الأولى يجد أنه يتكون من خمسة رموز، وهي حسب التوالي مع التحليل السيميائي لها: صورة الصقر بجناحيه المفرودين، ممثلاً الانطلاق والأصالة والرياضة الأكثر شهرة في صحراء نجد (الصيد بالصقور)، وتقطن الدرعية مدينة المرحلة الأولى في قلب نجد، فأتى الصقر معبراً عن أشهر طيور المنطقة التي عرفت بالقدرة على قنص الفرائس؛ إذ إنّ الصقر علامة البسالة والإقدام والسطوة والقوة والظفر بالأعداء. ثم يأتي الرمز الثاني، حيث تظهر صورة رأس الخيل في زوايا الشعار مكرورة، ويبدو يجري منطلقاً بشعره المتدفق مع حركته؛ وهذا الرمز يعبر عن استمرار الفروسية، و"الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة"، وهي كانت وسيلة الفارس في خوض المعارك؛ إذ يعلو ظهرها منطلقاً نحو حماية عرضه وماله وبلاده ودينه، فالخيل تعبر بدورها عن الدفاع عن أرض الوطن على يد أبطالها أبد الدهر، فالحرب مواجهة صادقة للعدو؛ لإيقافه عند حدوده. أما الرمز الثالث، فهو النخلة، التي تظهر بسعفاتها المتدليات في كل الاتجاهات، فهي رمز الكرم والعطاء والجود، وهي شجرة مباركة طيبة، وأرض نجد من البلاد التي عُرفت بزراعة صنوف التمر، وتخزينه بطرق مختلفة، قد عرفها أجدادنا منذ القدم تقديراً للضيف، واحتراماً لقدومه، وما تزال السعودية تكرم جيرانها وتنشر خيراتها على كل البلاد العربية والإسلامية والعالمية إيماناً منها بأهمية تعزيز الروح الإنسانية النبيلة في كل البلاد، وإشاعة الأمن والأمان. ثم يسطع في الشعار شكل نصف دائري يميل للاستطالة ومنفتح من جهة واحدة فقط مدللاً على رمز السوق، وهو الرمز الرابع في الشعار، والسوق مكان التبادل التجاري والصناعي، والانفتاح على العالم، ووسيلة من وسائل نقل الثقافة والعلم والخبرات الحياتية في غضون ذلك. ومن المعلوم أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بدأتْ من الدرعية في عهد التأسيس، حاملة راية العلم والدين ونشرهما في ربوع البلاد؛ لتشكيل الوعي المجتمعي، ومن هنا يدلل الرمز على انطلاقة العلم الديني وسائر المعارف في نجد إلى كل أرجاء الوطن. فبداية عهد التأسيس بداية النور في العلم والثقافة والأدب والتأليف المحلي في العهد السعودي. وكل تلك الرموز السابقة أتت محيطة بواسطة عقد الشعار، وهو الرجل الواحد الذي يحمل راية واضحة، ومن هنا يعكس الرمز أهمية الالتفاف حول قائد واحد لتحقيق الوحدة والتماسك المجتمعي. فالناس ملتفة حوله، مشكلين وحدة واحدة، لا تنفصل على الرغم من كل الأحداث، أو المتغيرات التي تطرأ في مسارها الطبيعي، لكن الوطن سيبقى بالتكاتف والحس الوطني العميق لهويتنا الواحدة متجانساً متراصاً. لقد أصبح الشعار برموزه الخمسة السابقة تعبيراً عن مسيرة تاريخية حافلة بكل القيم والمثل التي ينبغي غرسها في الجيل؛ ليستمر الوطن حياً بكل جميل وجليل. *ناقدة وأديبة وأكاديمية - جامعة حائل - قسم اللغة العربية 1