تحاول حكايات الأسباب البحث عن إجابة لسؤال محدّد أو تعليل ظاهرة معينة لا يجد لها الإنسان البسيط تعليلاً واضحاً، ومن استعراضنا السابق لبعض الحكايات الشعبية الأسطورية التي بحثت عن إجابة لسؤال: لماذا لا يخرج الخفاش إلا في الليل؟ رأينا حجم الاختلاف بين الإجابات والتعليلات التي تقدمها تلك الحكايات بحسب اختلاف بلد الراوي وثقافته ومهارته في نسج الحكاية، فكلما اتسع خيال الراوي وزادت مهارته استطاع تقديم التعليل في قالب حكائي مميز وجذّاب يحقق للمتلقي المتعة التي يدرك أنها هي غايته الأولى. ويمكن ملاحظة أن حكايات الأسباب تتجه في بحثها عن الإجابات حول الموضوع الواحد اتجاهاتٍ مختلفة، فالحكاية الشعبية الأفريقية، على سبيل المثال، تطرح تساؤلاً ناتجاً عن ملاحظة السلوك التدميري للنمل الأبيض: "لماذا يتلف النمل الأبيض ممتلكات الإنسان دائماً؟"، ويقدم الراوي في ختام تلك الحكاية تعليلاً يفيد بأن النمل الأبيض قرّر الاستمرار في تدمير الممتلكات انتقاماً لأولاده الذين قتلهم النمر خطأً بصب الماء المغلي عليهم بعد حيلة قام بها بطل الحكاية "العنكبوت". أما الحكاية الشعبية السعودية فتُعنى بتعليل السرعة العجيبة للنمل الأبيض "الأرضة" في التخريب، فقد أشار الشيخ محمد بن ناصر العبودي إلى أن العامة تزعم "أن الشياطين تحضر لها الماء الذي تستعين به على التخريب؛ لأنهم يرون في المواضع التي خربتها ما يشبه الطين في مواضع يابسة لا ماء بقربها". وتُعلل حكاية أسطورية من اليابان عدم قدرة الديك على الطيران بأنها عقوبة إلهية، إذ تحكي أن الخالق حين انتهى من خلق العالم أرسل الديك في مهمة عاجلة إلى الأرض لكنه تأخر كثيراً في إنجازها، "وبعد مرور وقت طويل طار عائداً إلى السماء، لكن الخالق كان غاضباً عليه بسبب عصيانه، فضربه ضربة أعادته إلى الأرض وقال له: لم يعد مرغوباً فيك في السماء إلى الأبد. ومنذ ذلك اليوم لم تعد الديوك قادرة على الطيران". أما في تراثنا الشعبي فتتجه عناية الراوي في إحدى الحكايات نحو معرفة السر وراء صياح الديك، وتقول الحكاية إن الضبّ كان يمتلك تاجاً أحمر فوق رأسه، وقد أثار التاج إعجاب صديقه المقرّب الديك، فعقد الصديقان صفقة تقوم على أن يعطي الضب تاجه للديك في مقابل أخذ أحد أعضائه "الحيوية!"، وبعد وقت قصير من التباهي بالتاج الأحمر أمام دجاجاته أدرك الديك فداحة الخطأ الذي ارتكبه، ومن يومها وهو يصيح متحسراً على قبول تلك الصفقة المشؤومة! والناظر في حكايات الأسباب الأسطورية يلاحظ أنها ذات خصائص تميزها عن سائر الحكايات الشعبية، فهي ذات بناء موجز وبسيط، وغالباً ما تتسم الإجابات والتعليلات التي تُقدمها بالطرافة والخروج عن حدود الواقعية والمنطق، فالغاية منها البحث عن الطرافة والإمتاع لا البحث عن الحقيقة والإقناع.