الرزق يتطلب السعي، سواء كان ذلك الرزق يأتي من خلال الوظيفة أو التجارة أو الحركة التي يقوم بها الإنسان من هنا وهناك، وهذا السعي يسمى السبب، والأرزاق لا تأتي بالسعي فقط، إنما هناك أسباب أخرى، كالصدق في التجارة ففي الحديث (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما، وإن كذبا وكتما محقت بركتهما)، والكلمة التسويقية اللطيفة التي تصف البضاعة أيضاً من أسباب النجاح في التجارة، والبكور في التجارة والوظائف تجلب البركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(بورك لأمتي في بكورها)، وأهم من ذلك كله النية الطيبة، وما أدراك ما النية الطيبة؟ الذكاء هبة من الله تعالى وله فوائده منها: يستفيد منه الإنسان في حل مشاكله أو استنتاجه لبعض الأحداث، أو قدرته في بناء العلاقات، أو يمنحه القدرة على قراءة أفكار الآخرين، ولكن ليس بالذكاء وحده يحصل الإنسان على الرزق والنجاح، فلو كان الذكاء كافياً لرأيت المجرمين والحرامية أكثر رفاهية وأموالاً من خلال وظائفهم وتجاراتهم، ولكن الذكاء وحده ليس كافياً، فبعض جرائم السطو أو السرقة اللطيفة تبرهن على ذكاءات وعقول تفوق الوصف في براعة التخطيط والدهاء الماكر. من حق الإنسان أن يسعى ببذل أسباب الرزق ويجلبها لنفسه بأي طريقة مشروعة، سواء بمثابرته واجتهاده، أو بتطوير نفسه وتدريبها، أو بأخلاقه ومبادئه، أو بانضباطه وإنتاجه، أو بعلاقاته وارتباطاته، أو بأفكاره ومبادراته، أو تنمية جوانب أخرى من شخصيته، وهذه الأسباب ترجع إلى ذكاء الإنسان في معرفة ما يحتاج إليه لكي يبلغ ما يريد، فبعضها من جملة المهارات، والمهارات أساس النجاح في الحياة، ولهذا أصبحت المهارة أساساً ضرورياً في النمو المهني للموظف، فلا ترقية إلا بشهادة تدريبية أو تعليمية. ما أقصده ببساطة ووضوح، هو ما قاله ابن القيم الجوزية "رحمه الله تعالى" في كتابه إغاثة اللهفان 1/ 358 في نهاية المجلد الأول: "وقد شاهد الناس عياناً أن من عاش بالمكر، مات بالفقر". واستدل بقول الله تعالى:(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). والواقع اليوم يحدثنا بأنواع من هذا المكر في كل نطاق ومجال، في الحياة الاجتماعية والوظيفية والتجارية والسياسية، وكأنها أصبحت فكراً نبيلاً وسبباً مهماً في تحصيل النجاح والرزق. وأن النية الطيبة باتت سذاجة وغباء، تؤدي بصاحبها للفقر والإقصاء والاستغلال. السؤال هنا: ما المبادئ التي ربى عليها النبي صلى الله عليه صحابته؟ وكيف استطاعوا أن يسجلوا أسماءهم في قوائم رجال التاريخ؟ ما نياتهم التي انطلقوا من خلالها؟ هل كان المكر أو الخداع أو الكيد من تلك الأساليب والمبادئ؟ ماذا حدث لأخوة يوسف بمكرهم لأخيهم؟ وكيف رفعت النية الطيبة يوسف عليه السلام؟ ما العمل الذي ميز ذلك الصحابي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم، إنه من أهل الجنة، أليس صفاء النية؟ النية الطيبة وما أدراك ما النية الطيبة؟ النية الطيبة فعل، فكيف كنا سنعرف معنى النية الطيبة إلا من خلال موقف يوسف عليه السلام مع صاحبيه في السجن وإخوته بعد وصوله لتلك المنزلة الرفيعة!