واحدة من أكثر التهديدات والتحديات التي واجهت النظام المتزمت في إيران ومنذ بدايات تأسيسه، دور ونشاط وشعبية منظمة مجاهدي خلق بين أوساط الشعب الايراني، ولم يأل هذا النظام جهدا أو مسعى مهما كان نوعه وحجمه إلا وقد بذله من أجل القضاء على هذه المنظمة وطوي صفحتها الى الابد. الحديث عن الجهود المختلفة والتي كانت بصيغ وأشكال عديدة من أجل تصفية المنظمة، حديث ذو شجون ولاسيما وإنه يكشف عن الوجه الحقيقي لهذا النظام من حيث تعامله مع خصومه ولاسيما الخصم الذي يقف ندا له، خصوصا وإنه ومنذ اليوم الاول بعد سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الايرانية، فقد تمخض ذلك فيما تمخض عن بروز تيارين سياسيين فكريين متنافسين، الاول كان يمثله التيار الديني المتشدد في الثورة والذي كان يتزعمه الخميني، فيما كان التيار الثاني تجسده منظمة مجاهدي خلق. التيار الذي كان يقوده خميني، يتبنى تفسيرا رجعيا وعقائديا للإسلام ويقوم باستخدام وتوظيف الدين من أجل تحقيق أهدافه وغاياته، فيما يروج التيار الثاني "أي مجاهدي خلق"، لنهج ديمقراطي متسامح وانفتاحي على الآخر ومتقبل له، وهو نهج يتفق عليه معظم الايرانيين ويرون فيه السبيل الامثل للتعامل والعيش في ظله، ولكن يبدو إن الاختلاف بين التيارين قد أصبح خلاف لا يمكن أبدا حله وحسمه بالحوار وما إليه، بل إنه صار خلاف حياة أو موت، وهذا ماقد عكسه وجسده هذا النظام وبصورة عملية في مجزرة صيف 1988، التي راح الالاف من السجناء السياسيين الايرانيين ضحيتها وكان جلهم من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، في الوقت الذي جعلت فيه الأخيرة من شعار إسقاط النظام، شعارا مركزيا لها. احراج النظام محاكمة حميد نوري، أحد مرتكبي مجزرة عام 1988، في سجني إيفين وجوهردشت سيئي السمعة، أمام محكمة في ستوكهولم منذ 10 أغسطس 2021، أحرجت النظام الايراني مرة أخرى أيما إحراج ولاسيما وإن هذه المحاكمة تأتي بعد تلك المحاكمة التي جرت للدبلوماسي الارهابي أسدالله أسدي وعصابته من جانب محكمة بلجيكية بتهمة التخطيط لتفجير التجمع السنوي للمنظمة في باريس عام 2018، وصدور أحكام بسجنهم لأعوام طويلة، والملفت للنظر كثيرا، إنه وكما كانت مجزرة 1988، فإن عملية تفجير التجمع السنوي للمنظمة في عام 1988، والذي حضره قرابة ال100 ألف من الحضور، فيما لو كتب لها النجاح، فإنها كانت أيضا مجزرة مروعة وجريمة ضد الانسانية وبامتياز، وهذا يدل على إن عقلية واسلوب هذا النظام منذ تأسيسه ولحد يومنا هذا لم يختلف ولن يختلف، فهو وكما أكدت في مقالات عديدة سابقة بأنه نظام متحجر لا يقبل التغيير أبدا! كلمة حق في ال20 من ديسمبر 2021، نشرت وكالة مهر للأنباء، المقربة من وزارة الاستخبارات والأمن الايرانية، مقابلة مطولة حول المسؤول الثاني السابق في النظام الحاكم في إيران، آية الله حسين علي منتظري، والذي جرى في عام 1985، تعيينه رسميا خلفا لمؤسس النظام، الخميني. ولكن في عام 1989، قبل وفاة الخميني، تم تجريد منتظري من اللقب بشكل غير رسمي، ونبذه علنا، ووضع في النهاية قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته في عام 2009، علما بأن الاعلام الرسمي للنظام وبعد تعيينه بصفة الرجل الثاني في النظام كان يصفه ب"أمل امام الامة"، وهي صفة أغدقها الخميني على المنتظري ثم لم يعد لها من ذكر بعد موقف المنتظري المناهض لمجزرة 1988، ورفضها والدعوة لإيقافها. في المقابلة المطولة التي نشرتها "وكالة مهر"، شرح مسؤول كبير في وزارة المخابرات مجهول مسار سياسات منتظري لما بعد ثورة 1979، مع التركيز بشكل خاص على التطورات المتعلقة بالمعارضة الرئيسة (مجاهدي خلق). ويبدأ مسؤول المخابرات بوصف منتظري بأنه تلميذ سابق للخميني و"ممثله المعين بسلطة كاملة". ثم يوضح كيف أصبح الخميني ودائرته الداخلية حذرين من التطورات في مكتب منتظري (بيت)، مما أجبر الخميني في نهاية المطاف على فصل منتظري من جميع ألقابه الرسمية، لا سيما بعد أن احتج الأخير على مذبحة عام 1988 التي راح ضحيتها 30 ألف سجين سياسي، الغالبية العظمى منهم ينتمي إلى منظمة مجاهدي خلق. الملاحظ أن جانب كبير من مقابلة وكالة مهر ركز بشكل مكثف على موقف منتظري تجاه منظمة مجاهدي خلق. يقول مسؤول المخابرات إن الخميني حذر في عام 1983 سلطات النظام من أن "المجرمين" (أي المعارضين) "يسعون لاستغلالك شخصيا وسيرغبون في التسلل إلى مكاتبكم... لإحداث انحرافات داخل النظام". ضمن هذا السياق، سئمت سلطات النظام من النفوذ السياسي لمنظمة مجاهدي خلق، ليس فقط داخل المجتمع ككل ولكن أيضا "التسلل" المحتمل إلى مكاتب السلطات العليا. وأمر الخميني وزارة المخابرات المنشأة حديثا بإيلاء اهتمام خاص لأنشطة مكتب منتظري. وقال مسؤول المخابرات إنه حتى قبل الثورة، فإن البعض في مكتب منتظري، بما في ذلك صهره، تعاطفوا مع منظمة مجاهدي خلق وقضيتها. ويستطرد هذا المسؤول: "تحول موقف السيد منتظري تدريجيا إلى دعم منظمة مجاهدي خلق في البداية، انتقد أساليب وكيفية تعامل الدولة مع منظمة مجاهدي خلق، وعاما بعد عام، ازدادت قوة الدعم لمنظمة مجاهدي خلق حتى وصلنا إلى عام 1988 عندما اتخذ موقفا صريحا ضد (الخميني) والدولة أثناء دعمه لمنظمة مجاهدي خلق. وفي التأكيد غير المقصود منه على القاعدة الاجتماعية الواسعة لمنظمة مجاهدي خلق، يعترف المسؤول بأن العديد من عائلات المسجونين المتعاطفين مع منظمة مجاهدي خلق التقوا مع منتظري وأتيحت لهم الفرصة للتعبير عن مظالمهم والجرائم المرتكبة ضدهم". ويضيف: "هذا هو الاتجاه الذي دفع السيد منتظري في عام 1988 للدفاع عن منظمة مجاهدي خلق ضد (الخميني) والدولة". وفي عام 1988، من خلال مرسوم ديني مكتوب بخط اليد نشره منتظري لاحقا في مذكراته، أمر الخميني بالقضاء على مجاهدي خلق. وأمر أنصاره في السجون في جميع أنحاء إيران، وبعد ذلك، في غضون بضعة أشهر، أعدم النظام حوالي 30 ألف سجين سياسي، أكثر من 90٪ منهم أعضاء في منظمة مجاهدي خلق. أمر قتل لكن الذي يلفت النظر أكثر، هو ماقد كشف عنه مسؤول المخابرات هذا في هذه المقابلة من إنه في وقت مبكر من عام 1983، أمر الخميني مرؤوسيه "باقتلاعهم (مجاهدي خلق) قبل أن أموت". وهو مايشير الى قلق وتوجس الخميني من إستمرار دور ونشاط وتأثير المنظمة حتى بعد موته ولذلك فإنه أراد حسم الامر قبل أن يغادر الدنيا كما يوضح أيضا وبجلاء أن الخميني كان ينوي القيام بإبادة جماعية غير مسبوقة ضد منظمة مجاهدي خلق منذ بداية حكمه، وهي خطة بلغت ذروتها في مجزرة عام 1988. هناك ملاحظة أخيرة مهمة أريد ذكرها في نهاية هذا المقال، وهي إن الشعار الذي رفعته منظمة مجاهدي خلق والداعي لإسقاط النظام، قد ردده الشعب الايراني خلال انتفاضات 2009 و2017 و2019، وحتى خلال انتفاضة أصفهان التي أعلن النظام الأحكام العرفية في أصفهان من أجل إخمادها، وفي هذا الامر بحد ذاته ما يبرر السبب الكامن وراء سعي النظام من أجل تصفية وإبادة مجاهدي خلق عن بكرة أبيها، لكن الذي يتجاهله النظام هو إن رسالة مجاهدي خلق ليس قد وصلت للشعب الايراني فقط وإنما حتى يعمل بها! *باحث في شؤون الايرانية