في نهاية كل عام ميلادي يهتم الناس بمعرفة توقعات العام الجديد، وهذه العادة تكثر في البلدان العربية مقارنة بغيرها، والمواد الخاصة بالأبراج وقراءة الطالع تعتبر الأكثر قراءة في صحافة العرب، ومعها البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تستضيف هؤلاء وتحاورهم، وبالأخص في هذا الوقت، والمنجمون أو من يسمون أنفسهم بالفلكيين يديرون تجارة كبيرة، ويحققون أرباحاً تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات، ويمثلون في فرنسا وحدها ما نسبته 36 % من إجمالي الأشخاص أصحاب المداخيل السنوية العالية، وينفق الفرنسيون على التنجيم قرابة سبعة مليارات دولار في العام الواحد، وقد كان للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران مستشارة روحية، وثقت تجربتها معه في كتاب، ومن أشهر الشخصيات الفرنسية في هذا المجال، نوستراداموس، صاحب كتابي النبوءات والتكهنات. التنجيم يصنف باعتباره نظام اعتقاد أو مهارة وليس علماً، فهو عشوائي في معظمه، ولا تحكمه قوانين مستقرة كعلوم الفيزياء والكيمياء وحتى الفلك، وهذا يفسر محاولات الروس والأميركان إلحاقه بالأبحاث النفسية ضمن ما يعرف بالظواهر الخارقة، فرجال السياسة والاستخبارات في المعسكر الشرقي كانوا يستشيرون البلغارية الكفيفة بابا فانغا في قراراتهم، وقام جورج دبليو بوش بمراجعة عراف لأخذ رأيه في حرب تحرير العراق، وتعمل وكالة المخابرات الأميركية، في الفترة الحالية، على أتمتة التنبؤ بمستقبل العالم، وذلك عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي والحواسيب الضخمة، وتوظيف عباقرة التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القراءة العلمية، وفي توقع الطالع الدولي، وبما يفيد في تحييد النتائج غير المرغوبة، على طريقة فيلم مينورتي ريبورت الأميركي. النماذج الرياضية قد تفيد في معرفة مستقبل الأشياء والأشخاص، ومن الأمثلة، أن غوغل استعانت بعمليات بحث أجراها مليارا شخص حول العالم على موقعها، خلال فترة محددة، واستفادت منه في تحديد أعداد المصابين بالإنفلونزا الموسمية، بالإضافة إلى إمكانية التنبؤ بحركة الأسهم المستقبلية عن طريق الكلمات السلبية المستخدمة في تويتر. نوستراداموس قرأ الديانات الإبراهيمية، وأتقن اللغات اللاتينية والعبرية واليونانية، ودرس علوم الفلك والرياضيات والطب والفلسفة، وتعلم سحر الكابالا واستخدمه، واستثمر ذلك كله في كتابة تنبؤات عامة ومبهمة تحتمل جملة من التأويلات، ومعرفته بالمستقبل لم تعمل لصالحه في مرض النقرس الذي توفي بسببه، ولأنه الأشهر فقد لفقت إليه نبوءات كثيرة لم يكتبها، تماماً مثلما استغل مسلسل عائلة سيمبسون في توقع رئاسة ترمب، واتضح فيما بعد أنها كانت عند ترشحه الأول في انتخابات العام 2000، بخلاف أن معظم المشاهد المنسوبة للمسلسل لاحقة للأحداث أو مفبركة باستخدام الفوتوشوب. معرفة مواقع النجوم لا تدخل في التنجيم المحرم، لأنها تفيد في معرفة الاتجاهات والقبلة وأحوال الطقس، والمرفوض والمحرم هو استخدام التنجيم في التنبؤ بالمستقبل، وفي التأطير الكابوسي لأحداث العالم المقبلة، وفي تصفية الحسابات والحروب النفسية، وفي تكريس الإحباط والسلبية وانتظار الأسوأ.