يقدم المبدعون ما يريدونه عبر قوالب إبداعية متغيرة، بحيث لا تقف على شكل معين ولا تتخذ في ذلك نمطاً ثابتاً في هيئته وشكله أو مضمونه، فسياقاتهم تصل إلى حد الدهشة في أكثر الأحيان سواء في مجالات السرد والشعر وفي المسرح، أو النحت والرسم بالألوان والكلمات والمشاعر الصارخة التي تترجم انفعالها في قصيدة رمزية على طريقة نزار قباني ومحمود درويش على سبيل المثال، أو في لوحة فنية معروضة في أحد متاحف اللوفر أو ريجكس بأسلوب وطريقة ليوناردو دافنشي وبابلو بيكاسو. ومع كل ذلك يبقى تسييس الإبداع، والأخذ به إلى دروب السياسة وخطوطها المتباينة التي يصعب تفكيكها وفهمها في بعض المرات، خطراً يحاول بعض الكتاب والفنانين الابتعاد عنه، لأنهم يعتبرونه قولبة فكرية تحد بشكل واضح من انسيابية فنونهم وأفكارهم المتفرعة التي تجمد رؤاهم وانطباعاتهم الإبداعية والفنية، بينما يعتبره قسم ثانٍ شكلاً موضوعياً أو نوعاً من الالتزام الفكري والأخلاقي سواء عن طريق المباشرة، أو عن طريق توظيف الرمز الفني الذي يلعب دوره المهم والحيوي في هذه المسألة. وعلى ذلك فإن الإبداع الفني والسرد الأدبي على امتداد أشكاله وتجاربه وتعدد رواده لا يكون مؤثراً بالمعنى الحقيقي إذا اتصل دائماً بمفهوم التسلية، التي لن تكون قادرة بطبيعة الحال على شد اهتمام شرائح كبيرة من المهتمين والمتابعين، خاصة إذا لم تتفرع موضوعاتهم وتطرق في ذلك أحداثاً تاريخية أو عادات وأنماطاً بشرية وسيراً شخصية. لكن اتجاه بعض المبدعين إلى هذا المذهب قد يكون مثار تردد وحسابات دقيقة، يقف حولها حقائق مثيرة ربما تقود إلى جدل واسع وإثارة رأي عام، خاصة حينما يقررون تقديم الحقائق مجردة كما هي، حتى لو كانت في حقب زمنية قديمة، أو حضارات غابرة قد انتهت وصارت أرشيفاً في سجلات التاريخ. وفي رأيي الشخصي أن هناك وفي الجهة المقابلة تماماً، من يتجه بأطروحاته ويذهب في عملية الإبداع إلى ذات الطريق، لكنهم يعتمدون في ذلك على تزييف الحقائق وقلب الأحداث وتأليف المواقف ضمن سياقات فنية وإبداعية تخدم توجهاتهم وأجندتهم التيارية والحزبية التي ينتمون إليها، ويطرحون بذلك سياقات مفبركة خالية تماماً من الصحة، بما يحقق إرادتهم وطموحهم أو يخالف معارضيهم حتى لو كانوا على حق، وهم أشد خطورة خاصة إذا كانوا يحضون بجماهيرية عالية وانتشاراً واسعاً في الأوساط والمجتمعات، لأن قدرتهم على التأثير ستكون بشكلٍ أقوى وأسرع في أغلب الأحيان.