دائماً ما يعزف الناس عن تناول طعام المستشفيات، عندما يمرضون فيضطرون للمبيت فيها.. يعتبرون أن الأكل في المستشفيات لا طعم له ولا لون ولا رائحة! حتى عندما تعزمُ أحداً في منزلك وتقدم له طعاماً لا يروقه، يجيبك أن هذا الأكل مثل الوجبات التي تقدم في المستشفيات، وفي ذلك هجاءٌ من الضيفِ لمائدةِ المُضيفِ. هذا الموقف النفساني السلبي من الأكل الذي تقدمه المشافي، جعل الناس تربط في لاوعيها بين الطعام الصحي وبين فقدان الجودة في الغذاء، على اعتبار أكل المستشفيات هو نموذج "الغذاء الصحي"! هذا الربط بين وجبات المستشفيات، والوجبات الصحية، دفع الناس للإمعان في الابتعاد عن تجريب أي مقترحات لوصفات غذائية صحية، لأن الأكل هو جزء من المتعة والبهجة، كما أن التذوق يضفي على النفس سعادة ويجمع الأحباب حول الموائد الحميمة. هذا الربط الذهني السالف، هل بالفعل هو صحيح، ومنطقي، أم أنه تم وفق تصور نمطي لم يخضع للسؤال والتمحيص؟ هل سأل الناس أنفسهم إذا ما كانت وجبات المستشفيات بالفعل صحية، ونماذج متكاملةً يمكن أن تكون مثالاً لما على البشر تناوله على موائدهم في المنازل والمطاعم ولقاءات الأهل. أحد أقاربي دخل قبل نحو شهر أحد المستشفيات لإجراء جراحة طبية سريعة، وكالعادة جاءته الممرضة بالوجبات اليومية كي يتغذى ويتماثل للشفاء، إذن الأكل هنا ليس مجرد إشباع للجوع، بل هو طريق إلى عافية الجسد، واستعادة قوته بعد العملية، وتوفير المغذيات والفيتامينات والمعادن التي يحتاجها الجسم، كي تعمل الخلايا على إعادة بناء ذاتها، وتنتج الطاقة الضرورية لذلك. قريبي الذي له أكثر من 16 عاماً وهو يتابع بدقة وتجريبٍ وتعلمٍ مستمرٍ موضوع "التغذية الصحية"، عن شغف ورغبة في العيش بصحة؛ قريبنا العزيز رفض تناول الطعام الذي قُدم له، قد يكون رفضا طبيعيا في سياق ما يقوم به الكثيرون، عندما يعزفون عن تناول طعام المستشفيات الفاقد للمذاق، وينتظرون ما يجلبه لهم الأهل والأصدقاء من أطعمة خارجية: أطباق المندي، أو الكبسة، أو طبخات المنزل التقليدية! لم يكن القريب العزيز ينتظر طعاماً طلبه من أحد مطاعم الأرز التي ضاقت بها المعمورة، فهو لا يأكل الأرز إلا نادراً، وإذا تناوله اختار منه "الأرز البري"، مبتعداً عن "الأرز الأبيض". ولم يكن أيضاً في انتظار وجبة من مطاعم "البرغر السريعة"، لأنه في الأساس لا يعتبرها طعاماً، بل هي وجبات مصنعة يضاف لها الكثير من المنكهات والكيماويات والمواد التي تجعل الإنسان يدمن عليها، مسببة له أمراض السكري وضغط الدم وتصلب الشرايين.. هي برأيه وصفات مثالية للخرفِ وضعف الجسد والشيخوخة السريعة! كذلك، لم يخبئ صاحبنا المال ليشتري بعض الوجبات من ماكينات البيع الذاتي التي تعجُ بها المستشفيات، والتي هي الأخرى متخمة بالحلويات والعصيرات المحلاة، أي أنها أيضاً مجرد وصفات سريعة لرفع مستوى سكري الدم، ودخول الجسد في مرحلة مقاومة الإنسولين. ربما سبب رفضِ هذا القريبُ العنيدُ لأطباق ممرضاته، كونه يود شراء بعض الشطائر من كافتيريا المستشفى، فلعله وجد ما أعجبه هناك! الجواب للأسف: لا! فهو لا يأكل خبر القمح والشعير، ولا يتناول الأطعمة المقلية بالزيوت المهدرجة التي تحشى بها الشطائر، ولا يحتسي المشروبات الغازية أو العصائر أو الحليب المركز الذي يتناوله كثير من الناس بفرح وهم يتلذذون بطعم الكروسون أو لفائف الخبز التي ترافقهم كل صباح. إذن، لماذا رفض هذا الرجل المتشبثُ برأيه الطعام المقدم له، وفضل أن يدخل في "الصيام المتقطع" وهو خارجٌ من عملية - للأسف - وقع الطبيب فيها في خطأ يوصف بالبشري، جعل قريبنا يمكث أياماً أكثر في المشفى، أي مزيداً من الجوع.. هذا ما ستجيب عنه المقالة القادمة، لنفهم السبب الذي يجعل مريضاً يفضلُ الصيام على الطعام، وبالتالي لنعرف إذا ما كانت وجبات المستشفيات صحية أم لا!