يشعر الإنسان برغبة ملحة في البقاء قريبًا من غيره الذي اختاره قلبه، ويدخل بسببه في عالم يصعب تعريفه أو تحديده، لكنه يشعر بلذته وهذا يكفيه، ولا يكتفي بذلك بل يسعى للمزيد من القرب علّه يخفف ما يشعر به من غربة إن غاب عنه. تبدأ مثل هذه العلاقات بنوع من الارتباك والخوف؛ الخوف من الفقد أو تجاهل الطرف الآخر لهذا الشعور، وتكون المعاناة النفسية ضاربة أطنابها إن علم بأن الآخر لا يبادله الشعور، أو أنه لم يصل الحد الذي وصل إليه صاحب الشعور! يرى سبينوزا أن الحب يبدأ بوهم لأنه يعتمد على الخيال لا على العقل، والانفعال هو الغالب في هذه العلاقة، ويكبر الوهم حتى ينكشف الغطاء عن العقل فيخبر النفس بالحقيقة فتسقط وتنهار وتترهل في وقت قصير، بينما يرى فرويد أن الحب هو نوع من الإسقاط على الماضي، أي أن الحب يعود بصاحبه إلى الطفولة كي يعدل سيناريو الحادثة المتسببة للكبت والعذاب النفسي، ويكون ذلك بمساعدة الحبيب حتى يتم العلاج من تلك المعضلة، وحينها يبدأ التعلق بالمحبوب لأنه المنقذ من هذا العذاب، وفقدانه سيتسبب في العودة إلى ذلك العذاب والآلام، فتُخلق صفة الغيرة والتملك بين الحبيبين! وقد تتحول هذه المشاعر الجميلة إلى بغض وعداء بسبب الفراق الحادث بعد العلاج النفسي الذي قام به الحبيب، فيقرر الحبيب المعالج الابتعاد تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا لدى الآخر المحبوب، مما سيتسبب لديه بمعضلتين؛ عودة مشكلة الطفولة، والفراغ الناجم عن فقد الحبيب، وهذا ما يجعل المحبوب ينتقل من كونه أجمل شيء في الوجود إلى أبغض شيء وأثقله، وقد أطال ديفيد باس عالم النفس التطوري في الحديث عن هذه المعضلة التي تنتهي في بعض الأحيان إلى القتل في كتابه القاتل بجوارك. نهاية المطاف؛ الحب شعور جميل، لكن اختيار الحبيب يجب ألا يتم في حالة الضعف والفراغ النفسي، ففي حالة الضعف يبدو لنا أن ملقي السلام علينا هو الحبيب المنتظر، ونخلق خيالات ذهنية هو رائدها وقد لاتتوافق مع طبيعتنا الإنسانية المبنية على النقص، وحين الشعور بالقوة نبدأ بالضحك على أنفسنا والابتعاد عن الحبيب الخيالي ولكن ذلك سيرهقنا نفسياً، وسيجعلنا مطالبين من المحبوب بمواصلة الطريق المتخيل لأنه لم يعد إلى عقله بعد!