لقد استطاع صندوق الاستثمارات العامة أن يكون علامة بارزة على خارطة العالم ورائداً في استثمار وإدارة رؤوس أموال كبيرة، وتحقيق إنجازات ضخمة تمكن من خلالها الوصول إلى مستهدفات إستراتيجية مهمة جعلته الشريك المفضل عالمياً. بخطوات دؤوبة متلاحقة وإيقاع متسارع سار بهما الصندوق منذ 50 عاماً، أدى مهمته الأساسية في تمويل المشروعات ذات القيمة الإستراتيجية والحيوية للاقتصاد السعودي في قطاعات النفط والتعدين وغيرهما، إلا أن النقلة التاريخية في مسيرة الصندوق كانت بإطلاق سمو ولي العهد العام 2017 برنامج صندوق الاستثمارات العامة؛ الذي نقله من المحلية إلى العالمية، ولا أدل على ذلك من حصوله على جائزة «Global SWF» الأفضل في العالم العام 2020، حيث كان الأكثر تأثيراً عالمياً، كما تم إطلاق مشروعات عملاقة ك»نيوم، والبحر الأحمر، والقدية، وروشن..»، وتمكن من مضاعفة أصوله إلى ما يقارب 1.5 تريليون ريال في نهاية العام 2020، وحقق المركز ال7 على مستوى الصناديق السيادية عالمياً. أما مستقبلاً وكما قال رائد التنمية السعودية الحديثة سمو ولي العهد خلال مقابلته مع قناة السعودية: «إن صندوق الاستثمارات العامة سينمو بنسبة أكثر من 200 % خلال ال5 سنوات المقبلة، وسيصل إلى 10 تريليونات ريال في 2030»، فمن المتوقع أن تبلغ أصوله 4 تريليونات ريال، 24 % منها في الأسواق العالمية، وسيضخ 150 مليار ريال سنوياً، وإجمالي المساهمة التراكمية في الناتج المحلي 1.2 تريليون ريال، وخلق 1.8 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة حتى العام 2025. ثمة حكمة تقول: «الصناعة هي اليد اليمنى للثروة»، ولكوني رجلاً صناعياً، وسخرت شبابي قبل شيبي في رحاب الصناعة، فإني أتمنى على «الصندوق» أن يزيد استثماره في المجال الصناعي، وينشئ ويطور مصانع وشركات تحدث نقلة نوعية في المملكة، ويوفر كل أنواع الدعم اللازم لها بما يتسق مع مستجدات ومتطلبات آفاق الصناعات عالمياً، وهذا بلا شك سيؤدي إلى خلق فرص وظيفية ومعالجة مشكلة البطالة ورفع معدل النمو الاقتصادي. ولنا تجربة رائعة مع «سابك» نتمنى أن تنمو وتتطور بإدخال صناعات جديدة تحدث نقلة نوعية في الجانب التقني والاعتماد على الطاقة المتجددة في الإنتاج، والتجربة السنغافورية تحدونا للاستفادة منها؛ حيث ركز «تماسك» على المجال الصناعي، وشراء المواد الخام وتكريرها وإعادة تصديرها كما في صناعة الرقائق وتكرير النفط والتكنولوجيا الحيوية والمعدات الصناعية وغيرها، ما حوّل سنغافورة مركزاً صناعياً عالمياً. أما المملكة فقد حباها الله -عز وجل- ثروات هائلة من المواد الخام، وطاقة بشرية شابة، وموقعاً إستراتيجياً، وقيادة ملهمة وطموحة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- وهذا يؤهلها لأن تتفوق على سنغافورة بمراحل؛ إذ تمتلك المملكة أهم مقومات الصناعة كي تتبوأ القمة سواء على المستوى الصناعي أو الصناديق السيادية العالمية.