سمات المحبة وحدها، هي من تقدر على إبعاد وطرد كل ما يتصل بمعنى الكراهية والتعصب، فهي تصنع في النهاية شخصاً كامل الأهلية والإنسانية، يتمتع بمساحة شاسعة من الحرية المنضبطة ويؤمن بثقافات العموم، ليكون في النهاية لبنة صالحة للحياة فيسهم في بناء نفسه ووطنه ومجتمعه. ويكون بذلك عنصراً فاعلاً ومؤثراً ضمن منظومة الأفكار الواعدة المتجددة والمتغيرة مع مرور الوقت وتطورات العصر المتسارعة، وحتى يصل إلى هذه المرتبة العالية لا بد أن ينسجم مع كل معطيات الوجود على امتداد أصوله وثقافاته ومرجعياته وتعدديته الدينية والعقائدية. فمسألة العزلة أو التنحي عن الآخر والابتعاد طوعاً أو كرهاً لم تعد نافعة في عصرنا الحالي الذي يتطلب عقلاً مستنيراً يسبر العالم، ويقف على أبعاده بحسب مرجعيته وانطباعه هو شخصياً وليس على هوى نماذج جاهزة وسرديات قديمة أملتها بعض الأعراف والتقاليد المحلية، وفرضتها الأيديولوجيات المتشددة التي ترفض إعمال العقل والمنطق، وتبتعد عن أصول الآخرين وعقائدهم وثقافاتهم وتقصيها كلياً. لأن معاناة الأمم أو نهضتها وعلى مشهد التاريخ، هي على صلة وثيقة بنهضة العقل الجمعي أو ركوده، وعلى صلة أيضاً بتحفيز اليقظة أو إشاعة الاستنامة في الأوساط والجموع، على اعتبار أن تدوير الأفكار، واتصال الثقافات والمجتمعات من ملهمات الأفراد، وتعتبر وصفة مثالية وسريعة تقود إلى أسباب التقدم والازدهار. وعلى النقيض تماماً، فإن كل معاداة للمعرفة والانسجام والتكامل بين الأمم هو مطب صعب وقاسٍ جداً ستتحطم عليه الإرادة أو تتوقف عنده كل خطوة تقودنا إلى درب الطموح والإنجاز، والذي لم يكن في أساسه غير فكرة ملهمة تنوي بناء ذواتنا أولاً وقبل كل شيء.