يُعد موضوع أمن الطاقة الشغل الشاغل لاقتصادات دول العالم أجمع سواء كانت مُنتجة أو مستهلكة، فإيقاف سريان الدم الأسود (النفط) في جسد العالم قد يؤدي به إلى حالة توقف أو شلل تعصف بالاقتصاد العالمي وتربك إنتاجه المُستقر، وباعتبار أنَّ المملكة كانت ومازالت تتربع على عرش الدول المُنتجة للنفط وكذلك الحاكم والحكيم لمنظمة البلدان المُصدِّرة للنفط (أوبك) فلا بُدَّ لها من التنبؤ بالمشكلات وإيجاد الحلول لكل داء يُهدد أمنها وأمن الطاقة الدولي بشكل عام. ولعلَّ إحدى أهم المشكلات التي تواجه أمن الطاقة الدولي خلال العقد الأخير تلك المُرتبطة بتدفق النفط عبر مضيق هرمز الذي يعبر من خلاله نحو ثلث إجمالي النفط العالمي المحمول بالبحر، وأكثر من ربع تجارة العالم من الغاز الطبيعي المسال، وسط مناوشات إيرانية تطال حاملات النفط مُخلِّفةً ما يزيد على 72 حادثاً بين عامي 2017-2015، وتهديدات أُخرى بإغلاق المضيق في حال إيقاف الصادرات الإيرانيَّة على خلفية العقوبات الاقتصاديَّة الأميركيَّة المُتكررة، ولذلك عملت المملكة جاهدة خلال السنوات الماضية للبحث عن بدائل لهذا الممر البحري شبه الوحيد الذي يربط بينها وبين أسواق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. ولعلَّ من أهم تلك البدائل خط (بترولاين) خط أنابيب شرق غرب الذي تمَّ بناؤه العام 1981 إثر الحرب العراقيَّة - الإيرانية والبالغ طاقته الاستيعابية حالياً 4.8 ملايين برميل يوميا، وخط أبقيق ينبع لسوائل الغاز الطبيعي بطاقة استيعابية تُقدر بثلاثمئة ألف برميل يومياً. وعلى الرغم من توافر هذه البدائل، إلَّا أنَّها مجتمعة لا تزيد طاقتها الاستيعابية على 5.1 ملايين برميل، في حين متوسّط صادرات النفط السعودي بين عامي 2019-2012 يزيد على 7.2 ملايين برميل يومياً، ونصيب مضيق هرمز وحده يتجاوز الستَّة ملايين برميل يومياً ولأنَّ البدائل الحالية غير كافية كان لا بُدَّ من البحث عن مزيد من الحلول لضمان تدفق المعروض من النفط دون انقطاع، لتوقّع المملكة اتفاقاً مبدئياً بينها وبين اليمن العام 2002 لإنشاء أنبوب نفط إلى أحد الموانئ على الشاطئ الجنوبي لليمن في حضرموت المطلة على بحر العرب، إلا أن العمل على دراسة هذا المشروع توقف فجأة لأسباب حول إدارة الأنبوب وملكيته، إضافة إلى أمور أمنيَّة باتت واضحة في الظرف الذي تعيشه اليمن اليوم. وبالإضافة للاعتبارات السياسية والجيوسياسية التي تهم البلدين الشقيقين، فاليوم يتكرر الحديث عن طريق مشابه لتصدير النفط السعودي إلى بحر العرب لكن عبر أنبوب نفطي يمتد من الحقول السعودية في الربع الخالي إلى الشواطئ العمانيَّة متجاوزاً بذلك مضيق هرمز، وفي حال أبصر المشروع النور فبالطبع سيضيف هذا الخط للمملكة خياراً جديداً لطرق تصدير النفط السعودي إلى الدول الآسيوية مع ضمان الحد من المخاطر المستقبلية في حال نشوب نزاع في منطقة الخليج لأي سبب كان وتعطل الحركة الملاحية فيه، خاصة مع وجود سابقة حرب الناقلات إبان الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي وحوادث متكررة في الفترة الماضية. إلَّا أنَّه يجدر القول حتى تصبح هذه الخطوة حلاً استراتيجياً مُهماً لضمان المعروض من الطاقة المُصدَّرة من السعودية يجب أن تكون قدرة هذه الأنابيب تفوق حاجز الستة ملايين برميل يومياً لتستطيع أنْ تُغطي المُصدَّر من النفط من موانئ الخفجي، والدمام، والجبيل في حال حدوث طارئ. وكذا على المملكة التفكير في توسيع سوقها الأوروبي خصوصاً أنَّ الخطط المرسومة وفق رؤية 2030 تعمل على زيادة تدفق النفط في خط أنابيب "بترولاين" إلى 6.5 ملايين برميل، الأمر الذي يساعدها في ضمان استمرار الإنتاج والتصدير للغرب في حال حدوث طارئ في السوق الشرقي والآسيوي.