نزل آلاف من أنصار الحكم المدني في السودان بعد ظهر الخميس وسط أجواء متوترة إلى شوارع الخرطوم، حيث يعتصم منذ ستة أيام مؤيدون ل"حكومة عسكرية" يقولون: إنها وحدها قادرة على إخراج البلاد من أزمتين اقتصادية وسياسية متفاقمتين. واختار المحتجون يوماً له رمزية كبيرة في السودان، إذ يصادف ذكرى أول انتفاضة شعبية في السودان في 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بحكم الجنرال إبراهيم عبود ومجلسه العسكري. وتزداد مخاوف من حدوث صدامات بين الطرفين على الرغم من دعوات تهدئة أطلقها قادتهما والحكومة خلال الأيام الأخيرة. ومنذ مساء الأربعاء، أعلنت وزارة التربية والتعليم أن الخميس يوم عطلة في جميع المدارس "حرصاً على سلامة" التلاميذ والطلاب. وأغلقت العديد من المحلات التجارية أبوابها منذ الصباح. وانتشرت الشرطة لحماية المباني الحكومية، فيما أغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط الخرطوم بوضع حواجز إسمنتية ونشر جنود يحملون بنادق كلاشينكوف، وفقاً لصحافي في وكالة فرانس برس. "مدنية.. خيار الشعب" ورفع مئات الشباب المؤيدين للحكم المدني أعلام السودان هاتفين "مدنية .. خيار الشعب"، و"ثوار.. أحرار.. حنكمل المشوار". كما رفعوا شعار "الردة مستحيلة"، في إشارة إلى رفضهم العودة إلى الحكم العسكري أو النظام الذي حكم السودان على مدى ثلاثين عاماً بقيادة عمر البشير الذي أطيح به تحت ضغط انتفاضة شعبية عارمة في أبريل 2019. ونظم عشرات من الصحافيين مسيرة رافعين لافتات كتب عليها "السلطة للشعب". وسار مؤيدو الجيش من جهتهم على أحد الجسور في الخرطوم وهم يرفعون لافتات تحمل صور رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مع إشارة X عليها، في إشارة الى مطلبهم حل حكومته.في ساحة الاعتصام، حمل المحتجون الخميس أعلام السودان ورقصوا على أنغام موسيقى انبعثت من مكبرات صوت في المكان. وقال حماد عبدالرحمن -ذو السبعة وثلاثين عاماً الذي يشارك في الاعتصام وقد ارتدى زياً سودانياً تقليدياً هو عبارة عن جلباب أبيض مع عمامة على رأسه-: "الناس الذين سيتظاهرون حقّهم أن يعبروا، لكننا نؤمن بأننا في الموقف الصحيح". وأطاح الجيش في العام 2019 بنظام عمر البشير الذي حكم السودان لأكثر من ثلاثين عاماً بقبضة من حديد، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهوراً، وتسلّم السلطة. لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت مطالبة بسلطة مدنية وقد تخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلاله قتلى وجرحى. في أغسطس 2019، وقّع العسكريون والمدنيون (ائتلاف قوى الحرية والتغيير) الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية، اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقاً. وبموجب الاتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية. وينقسم الفريقان اليوم، فقد تصاعدت الخلافات بين المدنيين الموجودين في السلطة ما أضعف الدعم الذي يحظى به رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وبدأت تعلو أصوات تطالب "بحكومة عسكرية". تجنب الصدام وعقد الطرفان الأربعاء مؤتمرين صحافيين في وقت متزامن تقريباً. وقال أحد قادة المعتصمين مني مناوي "يوم 21 أكتوبر هو يوم للتسامح مع الجميع وليس للتحريض". ويرأس مناوي حركة تحرير السودان، وهو حالياً محافظ ولاية دارفور (غرب). وقال وزير المال جبريل إبراهيم المطالب أيضاً بحكم عسكري: "نرفض بشكل حازم الاعتداءات أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف". في المقابل، قال ممثل لجان المقاومة المنظمة للاحتجاجات المطالبة بحكم مدني علي عمّار: "موكبنا لن يقترب من القصر الجمهوري أو مجلس الوزراء حتى لا يحدث صدام مع المعتصمين. هذا ما يريده البعض، لكن ثورتنا بدأت سلمية ونريد لها أن تستمر سلمية". وتشهد الخرطوم حراكاً دبلوماسياً مكثفاً. فقد وصلت إلى الخرطوم قبل يومين وزيرة الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية البريطانية فيكي فورد. وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان خلال لقائه بها حرص القوات المسلحة والمكوّن المدني على "إنجاح الفترة الانتقالية وصولاً إلى حكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني". وشدد، وفق بيان صادر عن مكتب المجلس الإعلامي، "الالتزام بالوثيقة الدستورية والحفاظ على الشراكة بين المكونين العسكري والمدني". والتقى نائب المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي بيتون نوف عدداً من المسؤولين تمهيداً لزيارة المبعوث جيفري فيلتمان إلى الخرطوم نهاية الأسبوع. ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا" عن نوف قوله الأربعاء: إن واشنطن "كصديقة للانتقال إلى الحكم الديموقراطي المدني الكامل ستبذل جهدها للمساعدة في تجاوز الأزمة الراهنة، وذلك بفعل كل ما بوسعها لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة". ودعت سفارة الولاياتالمتحدةبالخرطوم المتظاهرين إلى الحفاظ على الطابع "السلمي" للاحتجاج. وقالت السفارة في بيان: "نشجّع المتظاهرين على السلمية ونذكّرهم بالدعم الأميركي القوي للانتقال الديموقراطي في السودان".