ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات السعودية أصبح في حكم الظاهرة، وتحديداً الأدوية التي تستخدم في علاج الأمراض المزمنة كالضغط والسكري، ويوجد في المملكة 42 مصنعا مرخصا لإنتاج الدواء، وهذه المصانع تغطي ما نسبته 36 % من احتياج السوق المحلي، ما يعني أن الدولة تستورد 64 % من الأدوية التي تحتاجها، رغم أنها وفي نفس الوقت تستحوذ على 80 % من الإنتاج الخليجي للدواء، بالإضافة إلى تصديره لأكثر من 34 دولة حول العالم، وبإجمالي مبيعات يقدر بنصف مليار دولار في السنة. القاعدة أن الدواء يأخذ سعرا موحدا يطبع على العبوة، ويكون ذلك بمعرفة لجان مختصة في هيئة الغذاء والدواء السعودية، وهذا لا يحدث في الواقع لأسباب كثيرة، من بينها، تعريف الهيئة لما تعتبره دواءً يسعر من قبلها، فالمستحضرات الطبية العشبية والأدوات التشخيصية لا تصنف كأدوية في رأيها، وكذلك شرائح تحليل السكر والفيتامينات والمكملات الغذائية، وما سبق يدخل في اختصاص وزارتي الصحة والتجارة، وكلاهما مسؤول عن التفاوت والارتفاع المبالغ فيه في أسعارها، مع أن لجنة أو فريقا مشتركا بين الوزارتين والهيئة قد يحل الإشكال. السعوديون أنفقوا 63 مليار دولار على الأدوية والرعاية الصحية في 2020، والمتوقع أن يرتفع الإنفاق إلى 80 مليار دولار في 2025، وتستهدف رؤية المملكة رفع نسبة توطين صناعة الأدوية من 25 % في الوقت الحالي إلى 50 % في 2030، ويجري العمل منذ عام أو يزيد على مشروع لتوطين صناعة الأنسولين المستخدم لعلاج السكري، وبما يسهم في خفض حجم الإنفاق على استيراده، والذي يصل إلى 400 مليون دولار في العام الواحد. سوق الدواء السعودي وحجم الاستثمار فيه يعتبران الأكبر في المنطقة، وصناعة الدواء نفسها لم تبدأ إلا قبل مئتي سنة، وكانت ألمانيا الدولة الرائدة فيه، والمملكة بدأت هذه الصناعة في عام 1986 أو قبل 35 عاما، والريادة الإقليمية ستكون ناقصة، ما لم يصاحبها رفع لنسبة العاملين السعوديين في مصانع الأدوية السعودية، فأعدادهم قليلة مقارنة بغيرهم، وأن تتم الاستفادة من التجربة الهندية في هذا الجانب، ومن التجربة الأميركية في رفع نسبة استخدام الأدوية المصنعة محلياً (الجنيسة). في تصوري أن التحكم في تسعيرة الدواء يحتاج لحلول تبدأ من الجذور، ويأتي في مقدمتها تكثيف حملات التفتيش والمراقبة، والتعامل المباشر مع شركات الدواء ومن دون وكلاء، وإلغاء النسبة التي تفرضها الصيدليات مقابل عرض الدواء على رفوفها، ومن ثم تدخلها ضمن تكلفة الدواء، فهو سلعة أساسية لحياة الإنسان لا سلعة استهلاكية تخضع لمبدأ العرض والطلب، والتفكير الجاد في تحويل شركات الأدوية العائلية إلى مساهمة لتحييد عمليات الاحتكار الدوائي، والالتزام في الوصفة الطبية بالاسم العلمي لا التجاري للدواء، ومعاقبة من يخالف ذلك من الأطباء والصيادلة والتشهير بهم، لأنه ينطوي على مخالفة صريحة لتعليمات وزارة الصحة.