رغم ما توفره الدولة من إمكانات، وما تقدمه من حوافز؛ لتعزيز تدفق رؤوس الأموال على صناعة الدواء، فإن تحقيق معدلات النمو الاستثماري المطلوبة للسيطرة على الأسعار المشتعلة بهذه السوق أمر يبدو بعيد المنال، وهو ما يطرح التساؤل حول الأسباب التي تعرقل الاستثمار في هذه الصناعة الحيوية حتى الآن. وفي الوقت الذي تستورد فيه المملكة نحو 80% من احتياجاتها من الأدوية، بما قيمته 19.9 مليار ريال، طبقا لإحصاءات عام 2017، يشير الخبراء إلى ما يمكن وصفه ب»5 فيروسات»، تعمل على الفتك بجهود دفع عجلة الاستثمار في صناعة الدواء، وزيادة معدلات الإنتاج المحلي عن 20% ، بما يخفف من وطأة الأسعار المشتعلة حاليًا. وشخّص الخبراء هذه الفيروسات الخمسة، في غياب الآلية المرنة لتسعير الأدوية، وعدم الثقة في المنتج المحلي، وغياب الوعي الشعبي بوجود أدوية بديلة للعقاقير الأصلية، بالإضافة إلى ضعف أنظمة حماية الملكية الفكرية، وعدم تحديث نظام المنافسات والمشتريات. آلية غير مرنة للتسعير قال الدكتور يزيد الرثيع، الأستاذ المساعد في اقتصاديات الدواء والسياسة الصحية بكلية الصيدلة في جامعة الملك سعود، إن السوق السعودية تمثل أكبر أسواق الدواء في المنطقة، حيث تستحوذ على نحو 65% من حجم التعامل في دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرًا إلى أن متوسط نسبة النمو السنوي في مبيعات الأدوية في المملكة تتراوح بين 5، و7 % ، مدعومة بمعدل نمو سكانيٍ مرتفع، وزيادة في نسبة المصابين بالأمراض المزمنة، كالسكري وارتفاع ضغط الدم. ولفت إلى أن دخول مستحضرات دوائية حيوية جديدة لسوق الأدوية، وتستخدم في علاج بعض الأمراض كالتهاب المفاصل الروماتيدي والقولون التقرحي، أسهم في زيادة كلفة العلاج الدوائي، مضيفًا: «في غياب الإحصاءات الدقيقة تشير بعض التقارير إلى أن قيمة ما تم استيراده من الأدوية في عام 2017 تجاوز 19 مليار ريال، مقارنة ب12 مليار ريال قبل نحو عشر سنوات، في ظل توقف حجم الإنتاج المحلي عند 20% من احتياجات السوق. وأشار إلى أن الأرقام السابقة تؤكد وجود عراقيل، تقف في طريق زيادة الاستثمار بهذه الصناعة، وتمنع السيطرة على الأسعار، مشددًا على أن غياب الآلية المرنة لتسعير الأدوية، بشكل يتفاعل مع العرض والطلب، يعد أهم الفيروسات التي تفتك بالاستثمار في صناعة الدواء. ضعف الملكية الفكرية ونظام المنافسة ولفت الدكتور الرثيع إلى أن ضعف أنظمة حماية الملكية الفكرية، وعدم تحديث نظام المنافسات والمشتريات الحكومية للأدوية، في ظل أن الجهات الحكومية هي الأكثر استهلاكًا للمنتجات الدوائية، يضع جهود الاستثمار في أزمة، مشيرًا إلى أن إصلاح هذين العيبين أمر ضروري، لتحقيق الطفرة المنشودة. وأضاف: «ضعف أنظمة حماية الملكية الفكرية، تؤدي إلى خوف أصحاب الأفكار الاستثمارية، وتراجعهم عن دخول السوق، كما أن عدم تحديث آليات المنافسة، والمشتريات الحكومية في هذا المجال، جعلها غير مواكبة للتطورات الأخيرة، وهو أمر يثير مخاوف المستثمرين، ويدفعهم إلى الإحجام عن تعزيز السوق». الوعي الشعبي ودعا الرثيع إلى تطبيق علم الاقتصاديات الدوائية، والتركيز على تثقيف المرضى وزيادة الوعي الشعبي بالأدوية البديلة للعقاقير الأصلية التي يستخدمونها، موضحًا أن غياب هذا الوعي يكلف الدولة استيراد أدوية، يوجد لها بديل محلي جيد، وقادر على الوفاء المتطلبات، كما طالب بدراسة تمديد صلاحية بعض الأدوية، لتوفير المال، وتقليل الهدر. لا ثقة في المنتج المحلي ويرى الدكتور عبداللطيف بن أحمد آل غيهب، أستاذ الصيدلة الإكلينية في جامعة الملك سعود، أن السوق السعودي للأدوية تتميز بالتنوع في التعامل مع جميع الشركات العالمية والمحلية، إلا أن الأزمة تتلخص بحسب رؤيته في عدم ثقة بعض القطاعات المستهلكة بالمنتج المحلي، مشددًا على ضرورة تطبيق معايير تصنيع دوائي جيدة، لاستعادة هذه الثقة المفقودة. وقال: «تسعير المنتج الدوائي تعتبر آخر مراحل التسجيل لدى هيئة الغذاء والدواء، وتعتمد على أهمية المستحضر وحاجة السوق المحلية إليه، وكذلك مقارنته بسعره في بلد المنشأ إذا كان مستوردًا»، مشيرًا إلى أن هذه التسعيرة يعاد دراستها بحسب ما يستجد في الدورة التسويقية، للمستحضر. البديل يطابق الأصلي وأضاف: «المملكة توفر الأدوية الأصيلة والبديلة المستوردة، وكذلك المصنعة محليًا، ويجب توعية المستهلك بأن الأدوية البديلة المحلية والمستوردة، التي تكون أرخص سعرًا، تمر بخطوات التسجيل ذاتها، التي تتخذ إزاء الأدوية الأصلية، ويتم مقارنتها مع المنتج الأصلي». وأوضح أنه يتم بحث صلاحية المنتج من جميع الوجوه مثل: المواصفات الصيدلية، والمفعول الإكلينيكي، والسميّة، ولا يسجل الدواء أو يطرح بالأسواق إلا بعد اجتيازه هذه الاختبارات. الحل في «الجنيس» الدكتور سعود بن سالم باوزير، الأستاذ المساعد بكلية الصيدلة في جامعة أم القرى، يرى أن اللجوء إلى الأدوية، الجنيسة، باعتبارها أدوية مكافئة للأصلية، لكنها أرخص سعرًا؛ يمثل الحل المناسب لأزمة اشتعال أسعار الأدوية. وأوضح أن هيئة الغذاء والدواء، تبذل جهدًا كبيرًا للحفاظ على التوازن بين جودة المستحضر أثناء التصنيع، وبعد التسويق، كما توفر السعر المناسب بحيث تحقق شركات الأدوية مكاسب مالية تعوضها عن المصاريف الباهظة للتطوير، لتمكينها من الاستمرار في البحث والابتكار للتوصل إلى علاجات جديدة. محاربة الاحتكار وأشار إلى أن الأدوية المبتكرة مملوكة للشركات التي اخترعتها، وبالتالي فهي محتكرة لها، وجميع دول العالم ملتزمة بعدم تصنيعها، إلا بعد انتهاء فترة الاحتكار، حفاظًا على حقوق الشركات التي أنفقت المليارات على البحث العلمي، ولضمان استمراريتها، لافتًا إلى أن هيئة الغذاء والدواء السعودية تعمل جاهدة على محاربة الاحتكار بكل أساليبه، حيث تنسق مع وزارة التجارة للسماح بأن يكون لكل شركة أكثر من وكيل محلي سعودي، وهو ما يعتبر نقلة نوعية وتغييرًا جوهريًا في نظام الوكالات التجارية؛ بما يدعم مكافحة الاحتكار. ونفى الدكتور باوزير صحة ما يتردد حول أن الدواء السعودي يتجاوز سعره في البلاد المجاورة، مشددًا على أن الدواء السعودي هو الأقل سعرًا، مقارنة بالدول الخليجية الآخرى. غياب الرقابة على الأسعار أكد الدكتور سعيد بن سعيد الغامدي، رئيس قسم الأدوية والسموم بكلية الطب في جامعة أم القرى، أن هيئة الغذاء والدواء تتولى رقابة جودة الدواء، بما لا يشمل تحديد التسعيرة، لذا نجد تفاوتًا في أسعار الدواء من شركة لأخرى، ومن صيدلية لأخرى حتى إن ذات الدواء قد يكون بنصف القيمة في بعض الدول المجاورة. وأضاف أن غياب الرقابة على تحديد سعر الدواء، لخروجها عن اختصاص الهيئة يمثل ثغرة يجب علاجها، في ظل أنه لا توجد جهة واضحة منوط بها الرقابة على هذا الجزء المهم من منظومة الدواء. وعودة إلى قضية رفع الوعي ترى الدكتورة هوازن حامد مطاوع الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى : أن الهيئة العامة للغذاء والدواء أطلقت تطبيقًا يمكن استخدامه على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية تمكن المستهلك من البحث عن الأدوية المسجلة و معرفة أسعارها وبشكل سريع ومتاح لكل واحد مما يحمي المستهلك من أي تلاعب في أسعار الأدوية مشيرة إلى أن هذا البرنامج هو أحد البرامج والخدمات الإلكترونية التي تتيحها الهيئة كالإبلاغ عن أي مخالفة أو استشارات تخص الدواء أو المنتجات الغذائية. يذكر أن الهيئة العامة للغذاء والدواء أعلنت أنها تلقت 3700 بلاغ قدمها مرضى ضد صيدليات أهلية لاكتشاف أعراض جانبية لأدوية ومستحضرات عشبية يستخدمونها بجرعتها الصحيحة وذلك خلال العام 2017م. هيئة الغذاء والدواء تجيب عن تساؤلات «المدينة» «المدينة» حملت التساؤلات المتعقلة بهذا الملف الحيوي، إلى هيئة الغذاء والدواء، التي أجابت عنها في نقاط سريعة يمكن إجمالها فيما يلي: صلاحية الدواء أوضحت الهيئة أن تحديد صلاحية الأدوية، يعتمد على ضوابط متفقة مع المعايير التي اعتمدتها الجهات الرقابية الدولية، وتستند في معظمها إلى دراسات الثباتية العلمية المقدمة للمستحضر عند تسجيله، ومع حرص الهيئة على تمتع كل دواء بأطول فترة صلاحية ممكنة عند دخوله للمملكة، فإنه يوضع في الاعتبار ظروف شركات الدواء المرتبطة بالنقل والاستيراد، ومأمونية وفعالية الدواء عند استخدامه من قبل المريض، وجميعها أمور تجعل من الضروري مراقبة تاريخ الصلاحية بدقة تامة. وأشارت الهيئة إلى أنها تسمح بعد تسجيل الدواء، بأن تطلب الشركات تمديد فترة الصلاحية بناءً على نتائج الدراسات التي تثبت مبررات ذلك الطلب، وفي حال تم تقديم ما يدعم جودة وسلامة وفعالية المستحضر يتم اعتماد تمديد فترة الصلاحية. تسعير الأدوية وضعت الهيئة عددًا من الملحوظات حول قضية تسعير الأدوية منها أنها تباشر المهام المنوطة بها من خلال الضوابط والإجراءات التي تنظم تسجيل وتسعير المستحضرات الصيدلية، بما يضمن توفرها في السوق المحلية بأسعار عادلة ومتاحة للمرضى. وأشارت إلى أنها تعمل على تحديث تلك الضوابط والإجراءات والقوانين بما يحقق التوازن المطلوب لأسعار المستحضرات الصيدلية في السوق السعودية. وأوضحت أنه يتم تسعير المستحضرات الصيدلية بحسب لوائح وقواعد تسعير الأدوية المعتمدة من مجلس إدارة الهيئة، التي يتم العمل بها اعتبارًا من تاريخ أول المحرم عام 1433ه، الموافق 26 نوفمبر 2011، لافتة إلى أنه على ضوء تلك اللوائح والقواعد تقوم لجان فنية مشكلة من الهيئة وتشمل في عضوياتها مختصين من مختلف الجهات الحكومية بتحديد ومراجعة أسعار المستحضرات الصيدلانية. ويتم العمل الآن على تقييم القواعد الحالية في ظل أهداف ورؤية الهيئة انسجامًا مع رؤية المملكة 2030 في تعزيز حماية الصحة العامة بتوفير الدواء الفعّال والآمن وبالسعر المناسب، بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية، ولخلق فرص لتوطين الصناعة الدوائية من أجل أمن دوائي منشود. تفاوت الأسعار وحول ما ورد من سؤال ل»المدينة» حول وجود تفاوت كبير في أسعار بعض الأصناف بين المملكة ودول الجوار، أوضحت الهيئة أنها تعمل على مراجعة أسعار الأدوية بشكل دوري ومنتظم، ومقارنتها بمثيلتها في الدول المجاورة، وفي البلدان المسوقة فيها، لافتة إلى أنها إذا تبيَّن لها تغير سعر المستحضر في بلد المنشأ، أو البلدان المسوّقة له، أو تغيّر معدل صرف عملة بلد المنشأ مقابل الريال، بنسبة تؤثر على توفر الدواء في السوق، فإنها تتدخل فورًا لضبط الأوضاع. وشددت الهيئة على أنها تعمل كعضو فعّال في اللجنة الخليجية لتسعير الأدوية، تحت مظلة المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي، وبناءً على المعلومات الواردة من هذا المكتب فإنه تم تخفيض أسعار أغلب الأدوية في دول المنطقة بناءً على أسعارها المعتمدة في المملكة. التسعير للأدوية فقط ولفتت الهيئة إلى ضرورة التفرقة بين المستحضرات الصيدلية التي تمثل الأدوية وكذلك المستحضرات الصحية أو العشبية، مشيرة إلى أن الأدوية تخضع للتسعير حسب النظام، أما المستحضرات الأخرى لا تخضع للتسعير في الوقت الحالي. وشددت الهيئة على أن أسعار أدوات التجميل والمستحضرات العشبية ليست من اختصاص الهيئة حاليًا، حيث إن مبيعات الصيدليات لا تقتصر على المنتجات الصيدلية فقط، بل تبيع المستلزمات الصحية والأجهزة الطبية وغيرها مما لا يخضع للتسعير في الوقت الحالي.