كلما حلت ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية ، تعود بنا الذاكرة لسنين مضت تحمل من الآلام الكثير وتروي معاناة الآباء والأجداد . ومع الذكرى الحادية والتسعون لتأسيس المملكة العربية السعودية ، نبدأ في تقليب صفحات الماضي لنقرأ ما حملته من معاناة وما برز من تضحيات ، ومع كل صفحة نقرأها تبرز ملحمة صاغها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه – ، لبناء دولة قوية بإيمانها ، زارعة الأمن والآمان والاستقرار بربوع الجزيرة العربية ، عاملة على تأمين دروب الحجيج وتوفير الأمن والآمان لهم ليؤدوا نسكهم بيسر وسهولة . وفي ذكرى اليوم الوطني ، يحدثنا الأستاذ / أحمد صالح حلبي المستشار المتخصص في خدمات الحج والعمرة ، عن خدمات الحج والحجاج في العهد السعودي ، مبتدئا بالنظم والإجراءات موضحا أنه في 4 ذو القعدة 1344 ه صدر الأمر السامي الكريم ، الموجه لنائب جلالة الملك في الحجاز، " بتشكيل لجنة لإجراء البحث والمذاكرة في مسألة المرضى من الحجاج وأمر مداواتهم" برئاسة نائب جلالة الملك، وعضوية مدير الأمن العام، وثلاثة من مستشاري نائب جلالة الملك، ومعاون نائب جلالة الملك، ووكيل مدير الصحة، إضافة إلى شيخ المطوفين، وشيخ مشايخ الجاوى، وجرى إقرار وصياغة " نظام صحة الحجاج " ، والذي يعد أول نظام صحي مرتبط بالحجاج صدر في عهد الدولة السعودية . ويبين الحلبي أن الاهتمام بالنواحي الأمنية والصحية كان من ابرز أهداف الملك عبدالعزيز يرحمه الله ، خاصة وأنه في عام 1301 ه ، برز داء أطلق عليه المصريون مسمى "الهيضة" ، ويعرف "باسم الكوليرا الآسيوية أو الكوليرا الوبائية، وقد أودى بحياة ما بين 25.000 - 30.000 حاج . أما فيما يتعلق بغياب الأمن فقد صور أمير الشعراء أحمد شوقي ذلك بقوله : ضج الحجاز وضج البيت والحرم واستصرخت ربها في مكةالأمم أهين فيها جنود الله واضطهدوا إن أنت لم تنتقم فالله ينتقم أفي الضحى وعيون الجند ناضرة تسبى النساء ويؤذى الجند والحشم؟ ويسفك الدم في أرض مقدسة وتستباح بها الأعراض والحرم قد سال بالدم من ذبح ومن بشر واحمر فيها الحمى والأشهر الحرم وفي كتابه الرحلة الحجازية ، يقول محمد لبيب البتانوني ، واصفا رحلته للحج عام 1909 م بصحبة الخديوي عباس حلمي الثاني ، " أن الجمالة أنفسهم كانوا يسرقون عفش وأمتعة الحجاج، ويهربون بأغراضهم، أو يرغمونهم على دفع أجرة إضافية، وحتى عند قضاء الحاجة يخرج الحجاج جماعات؟!! وبإيحاء من الشريف حسين احتكر السماسرة في مكةالمكرمة مياه الشرب، وكانوا يبيعونها للحجاج بأثمان باهظة. ونتيجة لعجزه عن حفظ النظام كانت بعض العشائر تسطو على الحجاج، وتسلبهم طعامهم وكساءهم، وانتشرت الأوبئة؛ ففتكت بالحجاج والأهالي لعدم وجود العناية الصحية " واهتم الملك عبدالعزيز يرحمه الله بتوفير الأمن للحجاج ، وبرز ذلك بوضوح في ندائه الذي وجهه إلى جميع المسلمين في غرة شعبان 1343 ه، بقوله : " إننا نرحب ونبتهج بقدوم وفود حجاج بيت الله الحرام من المسلمين كافة في موسم هذا العام 1343ه، ونتكفل بتأمين راحتهم، والمحافظة على جميع حقوقهم، وتسهيل أمر سفرهم إلى مكةالمكرمة من أحد الموانئ التي ينزلون إليها، وهي: [رابغ - الليث - القنفذة]، وقد أُحكم فيها النظام، واستتب الأمن استتبابًا، فقد دخلتها جيوشنا، وسنتخذ التدابير في هذه المراكز وجميع الوسائل التي تكفل تأمين وراحة الحجاج إن شاء الله تعالى " ، فشكل ذلك النداء الإشارة الأولى لاستتباب الأمن لدروب الحجيج ، وهو ما نراه اليوم في كل موسم حج من تشكيل قيادات أمنية خاصة بالحج والحجاج.