كلما حل اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، تعود بنا الذاكرة لعقود مضت حملت بين المعاناة والآلام مالا يمكن وصفه، وفي الذكرى الحادية والتسعون لتأسيس المملكة العربية السعودية ، تأخذنا الذاكرة لماض قريب نقلب فيه صفحات التاريخ ، لنتوقف أمام معاناة والآلام عاشها أبناء الجزيرة العربية ، وقاصدو الحرمين الشريفين من حجاج ومعتمرين ، يوم كان الأمان لا وجود له ، فارتفع صوت أمير الشعراء أحمد شوقي قائلاً : ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ
وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ
فكانت قصيدته هذه ترجمة واقعية لحال أرض الحجاز ومعاناة أهلها وقاصديها.
" وبعد دخول الملك عبد العزيز - رحمه الله - الحجاز عام 1343ه بادر إلى تأسيس مديرية عامة للشرطة في مكةالمكرمة تُربط بنائبه في الحجاز تهتم بتوطيد الأمن في ربوع البلاد المقدسة وتأمين أمن الحجاج، كما أنشأ إدارات للشرطة في مكةوجدة والمدينة كلفت بأعمال الأمن بما في ذلك أعمال الجوازات ومراقبة الأجانب " وترجم يرحمه الله ، ذلك الاهتمام في ندائه الذي وجهه إلى جميع المسلمين في غرة شعبان 1343 ه، بقوله : " إننا نرحب ونبتهج بقدوم وفود حجاج بيت الله الحرام من المسلمين كافة في موسم هذا العام 1343ه، ونتكفل بتأمين راحتهم، والمحافظة على جميع حقوقهم، وتسهيل أمر سفرهم إلى مكةالمكرمة من أحد الموانئ التي ينزلون إليها، وهي: [رابغ - الليث - القنفذة]، وقد أُحكم فيها النظام، واستتب الأمن استتبابًا، فقد دخلتها جيوشنا، وسنتخذ التدابير في هذه المراكز وجميع الوسائل التي تكفل تأمين وراحة الحجاج إن شاء الله تعالى " ، فكان ذلك النداء الإشارة الأولى لاستتباب الأمن لدروب الحجيج . وجاء تشكيل قوات أمن الحج والعمرة كقوة تُعنى بخدمة الحجاج والمعتمرين ، لوضع الخطط لإدارة وتنظيم الحشود داخل نطاق المشاعر المقدسة ، والسيطرة على المنافذ المؤدية إلى مكةالمكرمة لمنع دخول غير النظاميين ، وإدارة ساحات المسجد الحرام ، والإرشاد والتوجيه ومساعدة كبار السن والعجزة والمرضى وغيرهم. وظهر حرص الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله على سلامة قاصدي الحرمين الشريفين من معتمرين وحجاج وزوار ، فكانت أولى تلك الأعمال وضع النظم والإجراءات التي تضمن أمنهم وسلامتهم ، وكان " نظام صحة الحجاج " ، أول نظام صحي مرتبط بالحجاج ، حيث صدر في 4 ذو القعدة 1344 ه الأمر السامي الكريم ، الموجه لنائب جلالة الملك في الحجاز، " بتشكيل لجنة لإجراء البحث والمذاكرة في مسألة المرضى من الحجاج وأمر مداواتهم" برئاسة نائب جلالة الملك، وعضوية مدير الأمن العام، وثلاثة من مستشاري نائب جلالة الملك، ومعاون نائب جلالة الملك، ووكيل مدير الصحة، إضافة إلى شيخ المطوفين، وشيخ مشايخ الجاوى، وجرى إقرار وصياغة " نظام صحة الحجاج " ، والذي يعد أول نظام صحي مرتبط بالحجاج صدر في عهد الدولة السعودية . وفيما يتعلق بمقدمي الخدمات للحجاج فقد أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله بعد توليه مسؤولية الحرمين الشريفين وأمنهما وأمن قاصديهما، عام 1343ه أمره الكريم بالإبقاء على مهنة الطوافة، وظهر ذلك جليا في نص المادة الرابعة من المرسوم الملكي المنشور بجريدة أم القرى بعددها الصادر في 15 جمادى الأولى 1343 ه تحت عنوان " هذا بلاغ "، إذ نصت المادة المشار إليها على ما يلي " كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذو راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئا، إلا رجلا أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوع مما كان له من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين أعطيناه منه، ولم ننقصه منه شيئا ". وبرز اهتمام الملك المؤسس رحمه الله بالمطوفين، في تكوين مجلس الشورى الأهلي، الذي وجه بانتخابه من العلماء والمطوفين وأعيان مكةالمكرمة، وتم الوصول لانتخاب خمسة عشر عضوا، أوكل إليهم النظر في مصلحة الطوافة والمطوفين حيث جرى وضع نظام خاص للطوافة، جاء في إحدى وعشرين مادة تناولت كافة أمور وقضايا الحجاج ، وفي الثامن من محرم من عام 1344ه، حُلّ المجلس وشكّل مجلس شورى جديد، وسعت دائرة مشاركة المطوفين فيه، وجرى انتخاب ثمانية عشر عضوا أغلبهم من المطوفين، وكان من مهام هذا المجلس تكوين عدد من اللجان للنظر في الشؤون المحلية، فكان هذا المجلس النواة لكثير من النظم الإدارية التي وضعها الملك عبدالعزيز رحمه الله فيما بعد. وحصر الملك عبدالعزيز يرحمه الله ، على احترام قواعد المطوفين وأعرافهم ، وبدأ ذلك واضحا في المذكرة رقم 742 وتاريخ 14 / 11 / 1345 ه الموافق 15 / 5 / 1927 م ، الموجودة بمركز والوثائق بمعهد الادارة العامة ، من الملك عبدالعزيز الى الأمير فيصل بن عبدالعزيز ، الذي كان نائبا لجلالة الملك في الحجاز ، حول التحكم حسب قواعد المطوفين .
وفي مجال خدمات نقل الحجاج جاء إنشاء النقابة العامة للسيارات بموجب الأمر الملكي الكريم رقم 11501 في 3 رجب 1372 ه، وصدر قرار مجلس الوزراء رقم 723 وتاريخ 3 / 12 / 1442 ه بتحويلها إلى شركة يملكها صندوق الاستثمارات العامة. وكانت النقابة قد بدأت أعمالها عام 1372 ه بخمس شركات نقل، ارتفع عددها عام 1440 ه إلى نحو 54 شركة ومؤسسة نقل، تمتلك ما يقارب (12550 ) حافلة . والمتابع لما قدمه الملك المؤسس يرحمه الله ، من خدمات لحجاج بيت الله الحرام ، وسار عليه أبناؤه من بعده سعود ، وفيصل ، وخالد ، وفهد ، وعبدالله يرحمهم الله ، يلحظ ما شهدته خدمات الحجاج من تنظيمات وتطورات ، وما نراه اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله يؤكد أن مسيرة تطوير خدمات الحجاج مستمرة ، وهذا ما أكده يحفظه الله بقوله : إن "مكةالمكرمة والمدينة المنورة تهمنا قبل أي مكان في الدنيا". "ويشرف ملكها أنه خادم الحرمين الشريفين، وهذا منذ عهد الملك عبدالعزيز إلى اليوم والحمد لله مكة تهمنا قبل أي مكان في الدنيا، هي والمدينة المنورة".