لعل المسرح هو أكثر الفنون الإبداعية تأثراً بالأوضاع المحيطة وبطبيعة الظروف الاجتماعية والسياسية، فهو كائن ينمو حين يتوفر قدر كاف من معطيات نموّه، وبتطور متى وجد المساحات التي تسمح له بالتمدد، بهذا المعنى تصير محاولة فهم الحراك المسرحي السعودي هذه الأيام والتي تشهد حضوراً يمكن اعتباره في منحاه التصاعدي نتيجة ما تعيشه السعودية من تحولات صنعتها الرؤية الطموحة. فمن ملتقى سعودي لتحفيز الابتكار المسرحي يفرز نجوماً شابة ويدفع بفكر إداري كخالد الباز إلى واجهة المشهد إلى مهرجان إثراء للمسرحيات القصيرة بكل ما حمله من تنافسية ودهشة وأفكار ومعالجات وفرجة، مروراً بسالم باحميش الذي كان هناك في أقصى الشمال يطرز الخشبة والمشهد ببصمة مسرحية عبر رائعته (شقلية) التي يشاهدها زوار المدينة الضاربة في عمق التاريخ وهم القادمون إليها من كل أصقاع الدنيا فتستوقفهم دهشة مسرحية سعودية يصنعها الجسور باحميش وفريق عمل المسرحية رغم أنهم يتصدون لمهمة ليست يسيرة فمسرحة التاريخ واستحضاره وزراعته في زمن آخر ليست نزهة ولا هي ضرب من التسالي لكنها الثقة التي تهب الأشياء شكلها. أما الدكتور سامي الجمعان فكان يسجل الحضور المختلف للمسرح السعودي على خارطة المسرح العربي بمونودراما انتحار معلن ولنا هنا أن نعرّج على حضور الكاتبة إشراق الروقي المتوجة بالمركز الثاني في مسابقة رابطة الإنتاج المسرحي، قبل أن نلقي التحية لأبطال عرض (رقصة الموت) الذين توجوا حضور المسرح السعودي مهرجان مسرح بلا إنتاج بخطف المميزة فاطمة الجشي لجائزة المكياج المسرحي، ومحمد جميل بإحدى جوائز الإضاءة وجائزة الدراما الحركية لمعاذ الرفاعي في مهرجان ثقيل ونوعي ومختلف، فيما كان نادي المسرح بجامعة الطائف يحصد جائزة أفضل سينوغرافيا مسرحيّة عن مسرحيّة «أيني» في مهرجان «أيام المسرح المونودرامي» في جامعة السلطان قابوس بعُمان. هذه الجوائز يحصدها شبابنا المسرحي في حقول واشتغالات المسرح ومكوناته المختلفة والتي بدأ الشباب السعودي يضع بصمته المسرحية فيها بثقة كالدراما الحركية والضوء والسينوغرافيا والماكياج، كما تجعلنا نتساءل في ظل هذا الحضور المبهج والغنيّ أي مسرح عندنا الآن؟ لتأتي الإجابة: الخشبة السعودية طليعيّة بامتياز.