بلغ معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي في شهر يونيو الفائت 5.4 ٪، ليصل بذلك إلى أعلى مستوى له منذ سبتمبر 1990، حيث تجاوز معدل نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي المعدل المستهدف للاحتياطي الفيدرالي الأميركي البالغ 2 ٪، بمقدار 1.5 نقطة مئوية، وبعد الزيادات الحادة التي شهدتها عائدات سندات الخزينة خلال عشر سنوات متتالية حتى نهاية مارس 2021، انخفضت تلك العائدات بشكل عام، مما يشير إلى أن المشاركين في السوق يعتمدون بشكل كبير على تطمينات الاحتياطي الفيدرالي المتكررة بأنه لن يكون هناك تهديد خطير لاستقرار الأسعار. وكان جون غرينوود -كبير الاقتصاديين في شركة إنفيسكو- قد بحث في أسباب التضخم بشكل عام وفي هذه الحالة المحددة أيضًا، وخلُص إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد يرتكب أنواع الأخطاء نفسها التي سبقت حدوث التضخم الكبير في السبعينات. ويرى غرينوود أن النمو في الفائض النقدي الذي أنتج موجة التضخم الحالية في الولاياتالمتحدة غير موجود في منطقة الخليج، ولا تزال معدلات النمو النقدي في دولة الإمارات على سبيل المثال، منخفضة للغاية، وهي أقل منها بقليل في المملكة العربية السعودية، ونتيجة لذلك، يعتقد كبير الاقتصاديين في شركة إنفيسكو أنه من غير المحتمل أن تشهد أي من المنطقتين أي تضخم مماثل لما نراه الآن في الولاياتالمتحدة. وعلى عكس البيانات الرسمية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، لا يعتقد غرينوود أن هذه الزيادة في التضخم هي مجرد ظاهرة انتقالية مرتبطة بإعادة فتح الاقتصادات، ونبّه إلى ضرورة أن يحذر المستثمرون، وخاصة مستثمرو السندات، من التعرض على أصول قابلة للتضخم، في وقت من المرجح أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تآكل العوائد خلال العامين المقبلين على الأقل. وفي سياق متصل، قال غرينوود: "يتبع محافظو البنوك المركزية نظرية مقلوبة حول التضخم عندما يفسرون الحلقة الحالية للتضخم كعملية عابرة، من القاعدة إلى القمة، أو حالة عرضية ناتجة عن زيادات مؤقتة أو خاصة أو مجزأة للأسعار، والتي سيتم عكسها قريبًا، إلا أن هذا التضخم ناتج بشكل أساسي عن فائض الأموال، وهي ظاهرة أعادت البنوك المركزية خلقها عمداً بعد عقد أو أكثر من السيطرة عليها وضبطها". وأضاف: "لقد أصيب الذين يعتقدون بأن التضخم هو ظاهرة نقدية بالدهشة عندما سمح بنك الاحتياطي الفيدرالي بتضخم المعروض النقدي M2 بنسبة 32 ٪ تقريبًا منذ فبراير 2020، وهذا هو بالتحديد السبب وراء ارتداد الأسعار ذهابًا وإيابًا من مستوياتها المنخفضة في ربيع وصيف 2020 (مثل أسعار الفنادق التي تم تخفيضها في بداية الجائحة، والتي يتم الآن إعادة تسعيرها بارتفاع، مما يؤدي إلى عدم تغير الأسعار كثيرًا بشكل عام)، وهو ما يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يكون مؤقتًا فقط، ثم سيحصل تراجع في معدل التضخم إلى 2 ٪ في غضون أشهر". ويشير كبير الاقتصاديين في شركة إنفيسكو إلى أن صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي يخاطرون بتكرار الأخطاء ذاتها التي ارتكبها أسلافهم قبل التضخم الكبير في السبعينات، كما يقول: "إن صانعي السياسة هؤلاء تجاهلوا ما يسمى بالعوامل المؤقتة معتبرين بأنها مجرد "ضجيج وتشويش" لا علاقة له بالسياسة النقدية، إلى أن اضطروا أخيرًا إلى الاعتراف، بعد فوات الأوان، بأن الولاياتالمتحدة تعاني من مشكلة تضخم". ويوضح غرينوود أن التضخم متكتل لا محالة، ويقتبس عن ألبرت فريدبيرج -مدير الأموال وتجارة السلع الأساسية من تورنتو- قوله: "نظرًا لأن الأموال الفائضة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فإن سعر السلع التي يصعب العثور عليها يرتفع بشكل أسرع بكثير من أسعار السلع التي يسهل العثور عليها، وخاصة عندما تتوفر القدرة لدى المستهلكين لاستيعاب هذه الزيادات في الأسعار بسبب وجود المزيد من الأموال لديهم لإنفاقها. ونتيجة لذلك، فإن أسعار السلع الأخرى التي يتراجع مستوى توفرها بشكل تدريجي تزداد أيضًا بمرور الوقت". وخلال فترة السبعينات، أعقب صدمة أسعار النفط زيادات لاحقة في أسعار الكاكاو والسكر والقمح وسلع أخرى، ويشير غرينوود إلى ارتفاع أسعار منازل الأسرة الواحدة في الولاياتالمتحدة وسلع أخرى تعاني من شح في العرض، مثل السيارات وأسعار الشحن الدولية والرقائق الإلكترونية، بالقول: "نظرًا لأن هذه الأسعار قد ارتفعت دون أن يتم تعديلها انخفاضًا، فإن ذلك يعني هذا أن التضخم المرتفع سيبقى، على الأقل خلال العامين المقبلين، بينما يشق المعروض النقدي الفائض طريقه عبر النظام". كما يضيف غرينوود بأنه إذا لم يفهم بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن السبب الحقيقي وراء الارتفاع الأخير في مستويات التضخم، فقد يستغرق وقتًا طويلاً قبل أن يستعيد سيطرته على الأسعار. ونتيجة لذلك، يجب على المستثمرين الاستعداد لفترة طويلة من ارتفاع الأسعار، وتقلص القوة الشرائية للمستهلكين والتباطؤ الاقتصادي.