قتل أربعون مدنياً على الأقل وأصيب أكثر من مئة آخرين بجروح في الساعات ال24 الأخيرة، وفق ما أعلنت الأممالمتحدة الثلاثاء، خلال معارك بين القوات الأفغانية ومتمردي حركة طالبان، الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على لشكركاه وهي عاصمة ولاية هلمند الرئيسية في جنوب البلاد. ودعا الجيش الافغاني الثلاثاء، سكان المدينة إلى إخلائها والخروج من منازلهم قبل بدء عملية تستهدف إلى أخراج مقاتلي طالبان منها. وقال الجنرال سامي سادات في رسالة وجّهها الى وسائل الإعلام، مخاطباً سكان المدينة: "يُرجى المغادرة في أسرع وقت ممكن حتى نتمكّن من بدء عمليتنا" ضد طالبان. وتشكل مدينة لشكركاه منذ أيام مسرحًا لمعارك عنيفة بعد محاصرتها من متمردي طالبان، الذين سيطروا وفق ما قال مسؤولون أفغان الثلاثاء على "15" قناة إذاعية وتلفزيونية محلية في المدينة، ولم يتبقى فيها سوى قناة واحدة مؤيدة لطالبان تبثّ برامج إسلامية. وارتفع مستوى العنف في أنحاء أفغانستان منذ مطلع مايو، عندما أطلقت طالبان عملية في أجزاء واسعة من البلاد تزامنا مع بدء الجيش الأميركي آخر مراحل انسحابه، مسدلاً الستار على حرب استمرت 20 عاما. وأبدت بعثة الأممالمتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان في تغريدة الثلاثاء "قلقها الشديد" إزاء المأزق الذي يواجهه المدنيون في لشكركاه، بعد حصيلة القتلى المرتفعة، وحضّت على "وقف فوري للقتال في المناطق الحضرية". وجاءت الحصيلة بعد ساعات من تحذير البعثة الثلاثاء، من أنّ "هجوم طالبان البري والضربات الجوية للجيش الأفغاني تسببت بأكبر قدر من الضرر" على المدنيين. وأعربت عن "مخاوف عميقة إزاء إطلاق النار العشوائي وإلحاق الضرر" بالمرافق الصحية ومنازل المدنيين. وتسبّبت المعارك في أنحاء البلاد بنزوح نحو ثمانين ألف طفل منذ مطلع يونيو، وفق ما أفادت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" الثلاثاء، مشيرة إلى تضرر العديد من المدارس والمرافق الصحية جراء القتال. الأسبوع الماضي، توقعت الأممالمتحدة أن تسجل هذا العام أكبر عدد من الضحايا المدنيين منذ عام 2009، عندما بدأت بتسجيل الحصيلة السنوية. وأحصت البعثة مقتل 1659 مدنيا، وجرح 3254 آخرين في النصف الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 47 في المئة مقارنة مع النصف الأول من العام الماضي، وسقط نصف القتلى خلال الشهرين الأولين من هجوم طالبان. وقالت إنّ الحصيلة "مروعة"، مؤكدة أن ما يقرب من نصف الضحايا المدنيين الذين تم تسجيلهم في النصف الأول من العام هم من النساء والأطفال. وتعرضت مكاتب البعثة في مدينة هرات لهجوم الجمعة، أودى بحياة شرطي أفغاني. وقال صفات الله مدير إذاعة سوكون في عاصمة هلمند: "اشتدّ القتال هذا الصباح". وأوضح أن "قاذفات أميركية من طراز بي 52 والقوات الجوية الأفغانية قصفت مواقع طالبان"، متحدثاً عن قتال مستمر قرب سجن المدينة ومبنى يضم مقرات الشرطة وأجهزة الاستخبارات. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية الإثنين عن شنّ سلاح الجو الأميركي غارات في لشكركاه، في وقت تكثّفت وتيرة الغارات الأميركية خلال الأيام الأخيرة في أنحاء البلاد، في محاولة لوقف تقدّم طالبان. وأوضح صفات الله أن إذاعته توقفت "عن البثّ منذ يومين لأن طالبان استولت على مبنى المحطة". وأفاد مسؤولون أفغان الثلاثاء، عن سيطرة حركة طالبان على 11 محطة إذاعية وأربع محطات تلفزيونية في المدينة. وعلّقت وزارة الإعلام والثقافة "لا يريد الإرهابيون لوسائل الإعلام أن تنشر الحقائق وتكشف مظالمهم". ومن شأن خسارة السيطرة على لشكركاه أن تشكل ضربة كبرى، استراتيجية ومعنوية، للحكومة الأفغانية، التي تعهّدت بالدفاع عن المدن الرئيسية وعواصم الولايات الكبرى، بعدما خسرت مناطق ريفية واسعة على وقع تقدّم طالبان خلال الأشهر الأخيرة. ولم تبد القوات الأفغانية مقاومة شديدة أمام تقدم طالبان، ولم تعد تسيطر سوى على المحاور الكبرى الرئيسية وعواصم الولايات التي بات بعضها محاصراً. وقال مسؤولون أفغان في هرات، إن القوات الحكومية تمكنت من صدّ المتمردين من أنحاء عدّة في المدينة، بما في ذلك محيط المطار، الذي يُعدّ بمثابة شريان حيوي لإيصال الإمدادات. وهتف مئات السكان "الله أكبر" من على أسطح منازلهم، بعدما تمكنت القوات الحكومية من صدّ هجوم للمتمردين. وأفاد المتحدث باسم حاكم هرات جيلاني فرهاد لوكالة الأنباء الفرنسية، أن "قوات الأمن الأفغانية وقوات المقاومة أطلقت عملية كبيرة في غرب المدينة". وأكّد مسؤول آخر أن الولاياتالمتحدة شنّت غارات ليلاً في هرات. واتهمت الولاياتالمتحدة وبريطانيا الاثنين طالبان بقتل "عشرات المدنيين في عمليات قتل ثأرية، يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب" في بلدة سبين بولداك الواقعة على الحدود مع باكستان. وجاء الاتهام بعد إعلان لجنة حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان، أن المتمردين ارتكبوا عمليات قتل ثأرية في البلدة، ما أودى بحياة أربعين شخصاً على الأقل. وقالت اللجنة: "تعقّبت طالبان ورصدت مسؤولين حكوميين سابقين وحاليين وقتلت هؤلاء الأشخاص الذين لا يضطلعون بدور قتالي في النزاع". وحذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الاربعاء، حركة طالبان من الاستيلاء على السلطة بالقوة و"ارتكاب فظائع بحق شعبها"، مؤكداً أن ذلك سيجعل من أفغانستان "دولة منبوذة". وقال خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الهندي، إن متمردي "طالبان يقولون إنهم يريدون الاعتراف الدولي والدعم الدولي لأفغانستان، يريدون على الأرجح أن يتمكن قادتهم من السفر بحرية في أنحاء العالم ورفع العقوبات وإلى ما هنالك. إلا أن السيطرة على الحكم بالقوة وانتهاك حقوق شعبهم ليس الطريقة الصحيحة لتحقيق ذلك".