يُقال بأن سنّة الكون الثابتة هي التغيير.. تذكر ملامح وجهك قبل عدّة سنوات، ستجد أن الزمان بدأ يرسم علاماته عليك، خطوط رقيقة هنا وهناك، زيادة أو نقصان في الوزن، انحناءةٌ في الظهر، شيب أو تساقط في الشعر، فلأجسادنا دورة حياة يجريها الزمن، ولكن إياك أن تبتئس! فلكل مرحلة عمرية مزايا وعيوب، وإن كنت ستفقد بعض الأشياء خلال مراحل شيخوختك، إلا أنّك ستكتسب أخرى سلبك إياها "عنفوان الشباب"، فهناك الحكمة، والبصيرة، والوقار، وأن ترى أعمق من مجرد الظاهر. وبمقدورك أن تقرأ الإيجابية في مراحل حياتك كافة، سواءً كنت شابًا جريئًا متحمسًا، أو كهلًا محتفظًا بحلمه، ومصرّاً على الإصلاح والتغيير وترك الأثر الطيب، واعيًا للسنن الكونية، ومستعداً للقاء القادم من حياته برضى. فمن أسوأ ما قد يقوم به الإنسان هو "محاربة الزمن"، أو "النكوص" والوقوف على أطلال مراحل فائتة، لأن ذلك يحرمنا من الاستمتاع بخصائص مراحلنا العمرية بما فيها، ويجعلنا نركز على الإيجابيات التي خسرناها في المراحل السابقة لنقارنها بسلبيات مراحلنا الحالية، ليفوتنا الكثير من الجمال الموجود في حاضرنا! فالشيخوخة حقيقة بيولوجية تحدث خارج نطاق التحكم البشري، إلا أن مشاعرك التي تستقبلها بها تقع حتمًا ضمن نطاق تحكمك، وقد يحدد الزمن عمر جسدك، إلا أنك قادر على تحديد عمر روحك، وتجديد شبابها بوقار، لتشعر باستدامة الهمة للإقبال على الحياة والترحيب بها، لا أن تضيع وقتك في محاولات عبثية لاستعادة تكوين جسمي ومناهضة واقع الشيخوخة الجسمانية. ومن هنا تبرز أهمية مفهوم "الشيخوخة التناغمية" والتي يعتبر تقبل أنفسنا بالصورة التي نحن عليها قوامها وأساسها المتين. وتحدث الشيخوخة نتيجة تأثير تراكم مجموعة متنوعة من الأضرار الجزيئية والخلوية بمرور الوقت، فتؤدي إلى انخفاض تدريجي في القدرات البدنية والعقلية، وتزايد احتمالات المرض والوفاة في النهاية. ولكن تلك التغيرات ليست ثابتة، ولا تقتصر على مرور السنوات، فبينما يتمتع بعض من تبلغ أعمارهم 70 سنة بصحة جيدة، إلى أبعد حد فإن آخرين في سن 70 يعتريهم الوهن ويحتاجون إلى مساعدة الغير. وهذا التنوع الملاحظ لدى المسنين ليس عشوائيًا، وينشأ جزء كبير منه عن البيئات المادية والاجتماعية التي يعيش فيها الناس، وتؤثر هذه البيئات على فرصهم وسلوكياتهم الصحية، فعلاقتنا بالبيئة التي نعيش فيها تتأثر بسماتنا الشخصية، مثل الأسرة التي نولد فيها ونوع جنسنا وأصلنا العرقي، ما يسفر عن إجحافات في الصحة، وتعزى نسبة كبيرة من التنوع في السن إلى الأثر التراكمي الذي تخلفه الإجحافات الصحية طيلة العمر، وذلك يدفعنا إلى أهمية الاهتمام بالصحة أولًا بأول. وبحسب تقارير الأممالمتحدة فإن شريحة من هم في سن ال65، تعد من أسرع الشرائح الاجتماعية نموًا في العالم، فمع حلول عام 2050 سيكون 16 % من عدد سكان العالم (واحداً من كل ستة أفراد في العالم) أكبر من سن 65 سنة، وكثيرًا ما يُفترض أن المسنين يعانون من الوهن أو الاتكالية ويشكلون عبئًا على المجتمع، ومن الضروري أن تتصدى دوائر الصحة والمجتمع ككل لهذه المواقف المتحيزة ضد المسنين، والتي يمكن أن تؤدي إلى التمييز، وتؤثر على طرق وضع السياسات وفرص المسنين في التمتع بصحة أفضل في مرحلة الشيخوخة. ومن الضروري رفع الوعي المجتمعي حول كيفية التعامل مع كبار السن، واحترامهم، والتأكيد على ضرورة توفير الفرص المناسبة لهم للتعبير عن أنفسهم، ليشعروا بأنهم ما زالوا قادرين على الإنجاز، وأنهم أشخاص فاعلون في المجتمع، ووجودهم ذو أهمية وأثر، لأن ذلك من شأنه أن يؤكد على أن كل تحد يواجهه الإنسان قد يفتح له أفقًا جديدة، ليشعر الإنسان بالرضى تجاه مراحل حياته كافة، وأن يصالح الزمن لا أن يتصارع معه، وتقع هذه المسؤوليات على عاتق الأهل، والمجتمع، والحكومات والخدمات التي تقدمها لأفرادها، وعلى عاتق الفرد نفسه، ليصبح مفهوم "الشيخوخة التناغمية" واقعًا يجعلنا نقبل على المراحل المقبلة بحماس وأمل. * اختصاصي نفسي ومستشار