بتوفيق من الله عز وجل وثم بتضافر جهود الجهات الحكومية المعنية بإدارة شؤون الحج في المملكة العربية السعودية وكذلك بتعاون القطاع الخاص والمتطوعين، أتم حجاج بيت الله الحرام مناسك الحج لهذا العام في بيئة ذكية وصحية آمنة. بالرغم من اقتصار موسم الحج هذا العام على حجاج الداخل من المواطنين والمقيمين في المملكة وبأعداد محدودة، إلا أن الإجراءات والتدابير الاحترازية الأمنية والصحية واللوجستية، بما في ذلك أسلوب تقديم الخدمات المختلفة للحجاج لم يتغير عن مواسم الحج السابقة، بل إنها قد شهدت هذا العام تقدماً وتحسنناً غير مسبوق في ظل توظيف التقنيات ووسائل التكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. حج هذا العام كان حجاً استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نتيجة لما فرضته ظروف أزمة جائحة فيروس كورونا من الالتزام بحزمة من التدابير والإجراءات الصحية، ما تطلب ليس تقليص أعداد الحجاج فحسب، وإنما التخطيط المبكر في هذا الموسم مراعاةً للإجراءات الاحترازية حفاظًا على صحة وسلامة الحجاج. موسم حج هذا العام إلى جانب حشد الطاقات المادية والبشرية منذ وقتٍ مبكر، تميز بتقديم خدمات للحجاج تدعمها تطبيقات إلكترونية وأعمال تقنية متقدمة ومتطورة للغاية، ما جعل من رحلة الحج، رحلة سهلة وممتعة للحاج، كونها عززت من جودة الخدمات والرفع من كفاءتها. إن تطوير البيانات المكانية إلكترونياً في رحلة ضيوف الرحمن، وتطوير نماذج للمحاكاة في منظومة نقل الحجاج والمعتمرين، بالإضافة إلى التكامل الإلكتروني مع مركز معلومات النقل، وتطوير آلية تعاقدات النقل الخاصة، قد ساهم بشكلٍ كبير في تجويد الخدمات المقدمة للحجاج. إن اللافت للانتباه، أن الخدمات الإلكترونية المقدمة للحجاج هذا العام، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، بطاقة «الحج الذكية» التي تربط بين العمليات والخدمات المختلفة للحج عن طريق تقنية الاتصال قريب المدى Near Filed Communications - NFC وأيضاً سوار الحج الذكي «نسك» ومبادرة «منصة الحج الذكية» واستخدام الروبوتات في المسجد الحرام لتزويد المصلين والحجاج بعبوات ماء زمزم، جميع هذه الخدمات ساهمت بفعالية في الرفع من مستوى الخدمات المقدمة للحجاج، المرتبطة بإدارة الحشود ومراقبة جودة الخدمات المقدمة للحجاج والتدخل السريع لتصحيح أي انحراف في مستوى الخدمات المقدمة عن المسار المخطط لها مسبقاً. كما أن أتمتة الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام، تنسجم تماماً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، المرتبطة بتطوير الخدمات المقدمة للحاج والمعتمر على حدٍ سواء، سيما وأن المملكة تستهدف استقبال 30 مليون معتمر بحلول العام 2030، ما يتطلب الاستمرار في بذل الجهود والمساعي الحثيثة لتطوير وتوسيع الخدمات الذكية المقدمة للمعتمرين. لعله من المهم جداً، الإشارة إلى أن اقتصار أداء مناسك الحج لهذا الموسم على 60 ألفًا فقط من المواطنين والمقيمين داخل المملكة، مع اشتراط تلقيهم للقاح ضد فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، يأتي امتثالًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في درء الخطر عن النفس البشرية، والذي رحبت به المنظمات الإسلامية على مستوى العالم، التي من بينها رابطة العالم الإسلامي، التي أكدت في بيان صدر عنها على حتمية أخذ كافة احترازات السلامة في مثل هذه الجائحة منوهة بحكمة هذا الإجراء الاحترازي الذي تقضيه وتفرضه الضرورة الشرعية الداعية إلى بذل كافة الأسباب لحفظ الأبدان والأرواح، لقول الله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). برأيي أنه دون أدنى شك، أن موسم حج هذا العام مميز رغم اقتصاره على حجاج الداخل من المواطنين والمقيمين وبأعداد محدودة، كونه تميز بتسخير الأتمتة والتقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي لتقديم أفضل الخدمات للحجيج الصحية منها واللوجستية وغيرها من الخدمات. إن توظيف التقنيات الحديثة في خدمة الحشود، ليس فقط يُسهل على القائمين إدارة الحج وشؤون الحجيج مهمة الإدارة، إنما في نفس الوقت يضمن تقديم الخدمة بجودة عالية ويعزز من مفهوم اقتصادات خدمة الحشود، كما أنه يساعد أيضاً على مراقبة المناسك والمشاعر المقدسة، بما في ذلك المنافذ الحدودية للتأكد من خلوها من المخالفين لأنظمة الحج. أحمد الله عز وجل بأن موسم هذا الحج قد انتهى بسلام دون إصابات بفيروس كورونا، والذي إن دل فإنه يدل على حرص الحكومة الرشيدة -رعاها الله- والمنظومة الصحية في المملكة على تجنيب الحجاج من أن يكونوا عرضة للإصابة بالفيروس من خلال تكثيف المتابعة والمراقبة الصحية الحثيثة عن كثب للوضع والحالة الصحية للحجاج. ولكن رغم تلك الجهود الموفقة في حج هذا العام، إلا أن التحدي سيظل قائماً وحاضراً بقوة خلال الأعوام القادمة لضمان استمرارية تقديم الخدمات المرتبطة بالحج والعمرة بجودة أعلى وأفضل مما هو عليه واقع الحال اليوم، بحيث ينعم الحاج والمعتمر بتأدية مناسك الحج والعمرة بيسر وسهولة أكثر. أنا شخصياً لا أستبعد في ظل التطورات المتلاحقة لوسائل التقنية الحديثة، أن يتم توظيف الأقمار الاصطناعية وما شابهها من تقنيات حديثة في إدارة شؤون الحج والعمرة، وبالذات وأنه قد أصبح لدينا اليوم هيئة للفضاء يمكن الاستعانة بها في هذا الشأن.