انحسار الأعمال والأنشطة الإرهابية المادية للتنظيمات المتطرفة لا يعني زوال خطرها، فصحيح أن الإحصاءات تُظهر تراجع الحوادث الإرهابية في العالم، لكن هناك خطر متزايد من تحول خطر الإرهاب من التهديد المادي إلى التهديد الرقمي، إذ عززت المنظمات الإرهابية برامج تجنيد المبرمجين ومهندسي الكمبيوتر، وقامت بالفعل بتطوير برامج ضارة للتجسس. الإرهاب السيبراني من التهديد المادي إلى الرقمي ولذلك تتطلب مواجهة هذه القدرة المتزايدة والتهديد بالانخراط في الإرهاب الإلكتروني،في فهم الاستراتيجية الإلكترونية للجماعات الإرهابية، والتقنيات التي تنشرها وتحديد أهدافها المحتملة في وقت مبكر، وتحديد نقاط الضعف الناجمة عن الاعتماد المتزايد على الرقمنة، فضلًا عن صياغة قاعدة تنظم العلاقة بين شركات التكنولوجيا والجهات المسؤولة عن إنفاذ القانون تراعي اعتبارات الخصوصية الفردية لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي وفي الوقت ذاته اعتبارات الحفاظ على الأمن القومي ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة. التكنولوجيا نقطة انطلاق رئيسة على المستويين الفكري والحركي التطور التكنولوجي وبوجود التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم، وما أحدثه من ثورة اتصالية غير مسبوقة، أظهرت التنظيمات الإرهابية قدرة على استغلال تلك التطورات لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي في توسيع نطاق وصولها على مستوى العالم، حيث تظهر دراسة أجرتها الشرطة الأوروبية "اليوروبول" أن المنظمات الإرهابية استخدمت حوالي 150 من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة كوسيلة للتجنيد ونشر الدعاية باستخدام مقاطع فيديو عالية الجودة، وقد استفاد تنظيم "داعش"الإرهابي تحديدًا أكثر من أي جماعة إرهابية أخرى من الشبكات الاجتماعية لتحقيق أهدافه العنيفة. تجنيد رقمي وقد أكد المركز العالمي لمحاربة الفكر المتطرف "اعتدال" عبر حسابه على تويتر: أن التنظيمات المتطرفة في منصات التواصل لا تكمن في تميزها أو إبداعها شكلًا أو مضمونًا، بل في قدرتها على تغذية الشبكة بمواد مختلفة، وحفاظها على استدامة هذه العملية، نتيجة ضعف المؤسسات التقليدية لمحاربة التطرف مما مكنه انتشار الدعائية المتطرفة. وبين أن طريقة التجنيد عبر المنصات هو إفقاد المغرر بهم بالثقة في أنفسهم، ورفع شعورهم الدائم بالذنب وتأنيب الذات وتحويل الأخطاء الإنسانية العادية إلي نوع من المعاصي التي لا تغتفر، وبعد اقتناع الضحية يكون سهل الانقياد قولاً وفعلاً. وقد أدت الضغوط الشديدة التي تعرضت لها التنظيمات الإرهابية خلال السنوات القليلة الماضية والهزائم المتلاحقة على الأرض، إلى دفعها لتبني استراتيجيات جديدة لممارسة النشاط الإرهابي تتخذ من التكنولوجيا نقطة انطلاق رئيسية على صعيد المستويين الفكري والحركي بما يحقق الأهداف التدميرية وإلحاق الضرر بأمن المجتمعات واستقرارها. استراتيجية جديدة ووفقًا لمركز بروكسل للدراسات الدولية، فإنه بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراقوسوريا عام 2019، وسقوط "الخلافة المزعومة" التي أعلنها التنظيم، ظهر شكل جديد من الإرهاب تحت اسم "الخلافة الإلكترونية الموحدة" التي تحاول العثور على جذور في كل مكان في العالم بما في ذلك أوروبا. واعتبر المركز أن ذلك المسعى يحمل تداعيات غاية في الخطورة بالنظر إلى أن "داعش" في بداياته عام 2013 تمكن من تجنيد أكثر من 40 ألف مقاتل أجنبي من 110 دول، لافتا إلى أن المتطرفين يعملون حاليًا على تكييف استراتيجية جديدة للإرهاب السيبراني بهدف الهيمنة على المشهد الأمني الدولي في المستقبل المنظور. فمع مواكبة التنظيمات الإرهابية للتطور التكنولوجي ظهرت سلسلة من المصطلحات من أبرزها "الجهاد الإلكتروني"، وهو مفهوم دشنه البروفيسور مارتن رودنر، الباحث في جامعة كارلتون، والمكونات الواضحة لهذا الجهاد الإلكتروني هي الدعاية والتضليل والتخريب وتدمير المجتمعات. كما ظهر أيضًا مصطلح "الإرهاب السيبراني" الذي يمثل نقطة التقاء الفضاء الإلكتروني والإرهاب، إذ يشير إلى الهجمات غير القانونية والتهديدات بالهجوم على أجهزة الكمبيوتر وشبكات المعلومات لتخويف أو إكراه حكومة أو شعب ما من أجل تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية. ويرتبط تصنيف أي هجوم على أنه إرهاب سيبراني إذا توافرت فيه جملة من الشروط من بينها وجوب أن يؤدي الهجوم إلى عنف ضد الأشخاص أو الممتلكات أو على الأقل التسبب في ضرر كافٍ لتوليد الخوف، ومن الأمثلة على ذلك الهجمات التي تؤدي إلى الموت أو الإصابة الجسدية أو الانفجارات أو الخسائر الاقتصادية الفادحة، كما يمكن أن تكون الهجمات الخطيرة على البنى التحتية الحيوية من أعمال الإرهاب السيبراني. وفي ذات الإطار، يجري تصنيف التهديدات السيبرانية اعتمادًا على الجهة المستهدفة "فرد أو مجموعات أو دول"، والغرض من العملية "التجسس والتخريب والضرر"، ودرجة ومدى الضرر (محدود أو متوسط أو كبير)، ونوع الهجوم (مادي أو اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو آيديولوجي أو ديني)، ونوع الفاعل "جهات غير معروفة، أو جهات حكومية أو منظمات. إنشاء أمة افتراضية متطرفة ولا يعتبر "الجهاد السيبراني" مجرد تكتيك داعم أو مكمل لنشاط التنظيمات الإرهابية -عبر الدعاية والتجنيد والاتصال وجمع التمويل والتحضير للهجمات-، ولكنه أصبح جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية التي ينتهجها الإرهابيون، حيث يستخدمون نقاط الضعف الرقمية لشن هجمات إرهابية، والتجسس على عناصر إنفاذ القانون، والتسلل إلى مؤسسات معينة، ومن أمثلة ذلك شن هجمات على غرار هجمات 11 سبتمبر 2001 ولكن بأساليب رقمية، بحيث يتم التحكم في الطائرات من خلال القرصنة الإلكترونية لأنظمة التحكم في الطيران بدلاً من خطف الطائرات، أو استهداف الثغرات الإلكترونية في شبكات الطاقة، وأنظمة الملاحة، وأنظمة الدفاع، والأنظمة الروبوتية، ومراكز البيانات المهمة، فهذه الاستراتيجيات تقلل إلى حد كبير، بل وتلغي أحيانًا الحاجة إلى الإرهابيين الانتحاريين. ويتطلب منع مثل هذه التهديدات أن تتبنى الوكالات الأمنية نهجًا مختلفًا تمامًا عن السابق، في ظل اعتماد المجتمعات حاليًا بشكل متزايد على الإنترنت والروبوتات والإلكترونيات، وجميعها نقاط ليست محصنة وعرضة للقرصنة والهجمات الإلكترونية. هجمات سيبرانية وتجدر الإشارة هنا إلى أن هدف التنظيمات الإرهابية لا يقتصر فقط على تنفيذ هجمات إرهابية سيبرانية، ولكن أيضًا إنشاء أمة افتراضية عالمية تؤمن بتلك الأفكار والآيديولوجية المتطرفة، إذ تعهد تنظيم "داعش" الإرهابي بعد هزيمته في العراقوسوريا بمواصلة هجماته حتى ضد المسلمين من خلال التأكيد على الترويج ل "الخلافة الافتراضية". والتركيز بشكل خاص على توسيع الجهود الناجحة السابقة للتمكين الآيديولوجي من خلال الكراهية وتعبئة القاصرين دون سن 18 عامًا الذين تم تجنيدهم من المدن الرئيسية في سوريا وتسمى "أشبال الخلافة"، وإثارة الخلايا النائمة والذئاب المنفردة. وفي إطار مواجهة هذه الاستراتيجة الإرهابية الجديدة، توصل ممثلو الأطراف الرئيسية الفاعلة في مجال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي مثل جوجل ومايكروسوفت وفيسبوك وتويتر مع وزراء داخلية دول مجموعة السبع لاتفاق تاريخي في أكتوبر 2017 يهدف إلى كبح ومنع المواد الدعائية للتنظيمات الإرهابية. لكن العلاقة بين تلك الشركات العملاقة وجهات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب يشوبها التوتر في كثير من الأحيان بشكل ينعكس على جهود التصدي للتطرف وإحباط المؤامرات الإرهابية، إذ اعتبر رئيس المخابرات الداخلية البريطانية "إم.آي.5"، كين مكالوم أن رفض شركة فيسبوك وشركات التكنولوجيا الكبرى منح المسؤولين إمكانية الوصول إلى المعلومات المشفرة يعد هدية للإرهابيين، بحسب وكالة بلومبرج الأمريكية. أدبيات المتطرفين فيما يعتبر نشر "أدبيات الجهاد الخاصة بالتنظيمات المتطرفة" رقميًّا تكتيكًا إلكترونيًا آخر يستخدمه الإرهابيون والجماعات المتطرفة، حيث يسعون إلى الترويج لقضيتهم المزعومة من خلال تقديم تفسير مغلوط ومشوه للنصوص الدينية، واستخدام أنصاف الحقائق والخطاب العاطفي، إذ يتم بث تلك الرسائل الاتصالية عبر مجموعة من المواقع والمجلات الإرهابية، وقد عمل تنظيم "داعش" الإرهابي تحديد اعلى تكثيف نطاق وصوله في الفضاء الرقمي من خلال مقاطع فيديو ورسائل ب 14 لغة أجنبية. وعلى الرغم من أن العديد من تلك المواقع الإلكترونية قد تم إغلاقه، فإن المواقع والمنشورات الجديدة تستمر في الظهور، كما تواصل الجماعات الإرهابية استخدام التكنولوجيا والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للبقاء على اتصال مع أعضائها والمتعاطفين معها، لا سيما من خلال استخدام التطبيقات المشفرة والمواقع بما في ذلك "تليجرام – Telegram" و"روكيت شات- Rocket chat" و"رايوت-Rayot" وفايبر". تجاوز خطر الإرهاب الرقمي سرقة البيانات الحاجة ماسة لمواجهة الهجمات الإلكترونية