يُقال إن ممارسة الاتصال باختلاف مسمياتها تظل "بسيطة"، فهذه الممارسة في جوهرها، ليست سوى رسالة، ومرسل، ومتلقٍ. بيد أن التعقيد، كل التعقيد، يكمن في تشذيب هذه الرسالة، وتوجيهها بشكل ذكي ومحنّك نحو هدف معين، ومتلقٍ معين، في توقيت معين، ومن دون ثغرات. ولو كانت ممارسة الاتصال بتلك البساطة المزعومة، لما وقعت أكبر الشركات العالمية في أخطاء اتصالية تسببت لها بأزمات كارثية، أدت إلى خساراتٍ فادحة في الموارد المالية والبشرية، وقضت هذه الشركات سنوات تصارع لتحسين سمعتها، وإعادة بناء هويتها، وبعضها لم تنجح في ذلك، وحتى تلك التي نجحت ستبقى الأخطاء الاتصالية جزءاً لا يُنتزع من ماضيها، تتم العودة له بين الحين والآخر من قبل منافسيها لمصالح وغايات مختلفة. فالاتصال، حقل متداخل ومتماهٍ في سياقات مالية وسياسية ليست لها نهاية، لا يُنصح في الدخول اليه من دون الوعي الكبير بالمحاذير، ومن دون وضع أسوأ السيناريوهات على الطاولة. إذا لم يكن لدى الممارس الاتصالي ذهن متيقظ، وعقل متفتح، فسيواجه صعوبة في إنجاز أبسط مهام عمله، من هذا المنطلق، أدناه بعض المعايير التي يمكن توظيفها -على سبيل المثال ولا الحصر-، لتقييم الخطط الاتصالية قبل إطلاقها وتنفيذها، وهي بدورها تسهّل على مسؤول الاتصال المؤسسي تنفيذ عمله بفعالية، ساهم في صياغتها أهم خبراء الاتصال عالميًا بالشراكة مع "فوربس". أولاً: هل فهمت بعمق هذه الخطة الاتصالية؟ يمكن بسهولة قياس فهمنا للخطة الاتصالية عبر شرحها لأحد من أفراد العائلة في مدة لا تتجاوز دقيقتين، بشكل مبسط ومختصر. ثانيًا: هل حددت أي شريحة من الجماهير مهتمة بالفعل بهذه الرسالة؟ إذا كانت هناك ضبابية من هذه الناحية فستكون الرسالة فاقدة للجذب الجماهيري. ثالثاً: هل حددت مؤشرات أداء الحملة، بمعنى النتائج الجاري العمل على تحقيقها، يمكن قياس نجاح وفعالية الرسائل مثلاً عبر زيادة نسبة مشاهدات الفيديو المعين من ألف إلى مئتي ألف، زيادة الردود إلى خمس مئة بدلاً من خمسين، وغير ذلك من الأرقام والإحصائيات. رابعاً: هل تساهم هذه الحملة في تحقيق الهدف الاستراتيجي العام للمنظمة/الجهة الراعية للحملة؟ ما قيم الشركة وتوجهها العام؟ تخيل كممارس للاتصال أن تكون مديرا لحملة إعلامية معنية بالبيئة وتكون ضمن مخرجات هذه الحملة هدايا مصنوعة من خامات غير صديقة للبيئة كالبلاستيك مثلاً؟ يعكس ذلك الجهل بهدف المنظمة الأكبر. خامسًا: هل تم عرض وجهات النظر المختلفة بشكل متوازن، في الخطة الاتصالية؟ أم كان شكل الاتصال المستخدم في هذه الحملة "ذا اتجاه واحد". سادساً: هل وضعنا توقعات لردود فعل الجماهير تجاه هذه الرسالة أو تلك؟ إذا لم تكن الرسائل تكشف بشكل واضح للجماهير عن هويتك ودورك ورسالتك المقدمة لهم فينبغي مراجعة الخطة الاتصالية وتحسينها. ولنتذكر، قبل ذلك كله إذا لم تكن الخطة الاتصالية قابلة للتنفيذ والتفعيل فلا جدوى منها، وما أكثر الخطط التي تم تطبيق حملات اتصالية بناءً عليها ولم يكن لها أثر يذكر، ولعل "جورج براند شو" وصف جميع هذه الإشكاليات الاتصالية بدقه حين قال "المشكلة الوحيدة والأكبر في الاتصال هي الوهم بأنه قد حصل".