ينشغل العالم بمستقبل أميركا الدولة والأميركيّين بوصفهم الأمّة المستحوذة على نسبة مهمة من الاقتصاد العالمي، ولتأثيرهم في التقنية والقرار السياسي والعسكري في بقاع العالم، أمّا الشعب الأميركي فتأتي أولويّاته غالباً في قضاياه الداخليّة منشغلاً بذاته إلى حد بعيد، مركزاً في المقام الأول على مجالات الأمن وبخاصة المعيشية والصحية وجودة الحياة. ومن أمثلة ذلك ما نشره معهد الاستطلاعات الأميركي "Gallup" عام 2015 عن أهمّ القضايا التي تثير القلق الأكبر لدى الشعب الأميركي، وقد ظهرت الرعاية الصحيّة على رأس القائمة حيث قال 54 ٪ من الأميركيين: إنّهم قلقون من مستوى توافر الرعاية الصحيّة والقدرة على تحمل تكاليفها، في حين أبدى 53 ٪ قلقهم حول الاقتصاد، وأظهر 51 ٪ قلقهم من احتمال وقوع هجمات إرهابيّة مستقبليّة في الولاياتالمتحدة. وفي التقرير ذاته حصلت ثلاث قضايا على النسبة ذاتها من القلق (46 ٪) وهي نظام الضمان الاجتماعي وحجم وسلطة الحكومة الفيدراليّة، والقلق من طريقة توزيع الدخل والثروة في الولاياتالمتحدة، يلي هذه القضايا في مستوى قلق الأميركيين موضوعات الجوع والتشرد ومعها الجريمة والعنف (43 ٪)، ثم الهجرة غير الشرعيّة ومشكلة تعاطي المخدرات بالنسبة ذاتها من القلق (39 ٪)، وكان من ضمن القضايا المقلقة وضع البطالة (37 ٪)، ثم جودة البيئة (34 ٪)، يليها بنسب أقل مدى توافر الطاقة والقدرة على تحمل تكلفتها، ثم العلاقات العرقيّة داخل المجتمع الأميركي، وقضايا تغير المناخ. وفي استطلاع مثير حول القضايا ذاتها نشره مركز Pew Research Center عام 2019 قال نحو نصف البالغين الأميركيين (49 ٪) في موضوع التفكير في مستقبل البلاد: إنّهم قلقون جدًا بشأن الطريقة التي تعمل بها الحكومة في واشنطن، وقالت نسبة قريبة (48 ٪): إنّهم قلقون جدًا بشأن قدرة القادة السياسيين على حل مشكلات البلاد الكبرى. وفي الاستطلاع ذاته ظهر أنّ نحو أربعة من كل عشرة أميركيين يشعرون (بقلق بالغ) بشأن القيم الأخلاقيّة وتغير المناخ وحالة المدارس العامة في البلاد، ولم يختلف الحال كثيراً عام 2021 فقد أظهر مسح قام به المركز ذاته (Pew Research Center) أنّ تكاليف الرعاية الصحيّة هي القضيّة الوحيدة من بين 15 قضيّة طرحها المركز في الاستطلاع ينظر إليها الأميركيون على أنّها مشكلة كبيرة جدًا تليها قضيّة عجز الميزانيّة الفيدراليّة (49 ٪)، والجرائم العنيفة (48 ٪)، والهجرة غير الشرعيّة (48 ٪) والعنف المسلح (48 ٪). وتقدم نتائج هذه الاستطلاعات والتقارير خريطة الطريق لعمل الأحزاب والمؤسسات الأميركيّة كما يهتم بها خصوم الأميركيين وأصدقاؤهم على حد سواء في بناء الخطط والضغوط والمنافسة وتبادل المصالح كل بمقتضى رؤيته وحجمه. مسارات قال ومضى: بعض الصداقات تكاليفها أعظم من كل العداوات.