في ما أعلم والله أعلم، لا يوجد قضية في التاريخ تبناها المجنون والعاقل واختلط فيها الحابل بِالنابل كقضية القدس الشريف، هذه القضية المقدسة عند العرب والمسلمين، والساكنةُ في أعماق قلوبهم، تسلل إليها تجار السياسة -دولاً ومنظمات- ليتقاسموا المصالح من ورائها، وليأخذ كلٌ منهم نصيبه المقسوم، ثمناً لتعاطفه المزعوم. سماسرة القضايا العادلة على تضارب مصالحهم واختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية اجتمعوا للتكسب من قضية المسلمين الأولى، وكل واحدٍ منهم يرفع شعاراً يستجلبُ به منافعه الحزبية والسياسية. وعلى رأس هؤلاء، ذاك الذي فتك بالمسلمين السنة في كل مكان، وأزعج بضجيجه أسماع الشعوب بتعاطفه الكاذب مع قضية القدس ليستخدمها ورقة تقوّي موقفه التفاوضي المهلهل مع الدول الكُبرى، لتحقيق مكاسب إقليمية وسياسية في المنطقة، ليواصل مشروع الهدم والدم في ديار العرب والمسلمين، وفي هذا البحر الخِضَمّ من التجارة المُحرّمة بقضية القُدس الشريف، يبزغ الموقف السعودي واضحاً وضوح الشمس والقمر من هذه القضية العادلة. موقفٌ بدأ منذ أن نشأت المملكة العربية السعودية على يد مؤسسها الأول الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، واستمر الموقف المشرّف الداعي إلى الفخر -ملِكا بعد ملك- ثابتاً لم يتزحزح ولم تلطخه أدران المساومات السياسية ولا مهاترات الإعلام، وتقوم القيادة في المملكة بإعادة إعلان موقفها في كل مناسبةٍ ومحفَل، حيث التأكيد والتشديد على ضرورةِ دعم الجهود الرامية إلى الوصول لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينة بما يمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدسالشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. هذا الموقف العادل المؤسس على إرثٍ عريق شديد الرسوخ، والذي يُعدُّ مبدأ من مبادئ السياسة السعودية التي لا تُبتَزُّ ولا تهتَزّ، هو موقف كل سعودي وعربي. لذا، لم يستغرب أحدٌ البيان الصادر من القيادة السعودية إزاء الأحداث الأخيرة في القدس، هذا البيان الذي جدد موقف السعوديين الثابت قيادة وشعباً من قضية العرب والمسلمين، يجب أن يكون نبراساً ودليلاً لكل شريفٍ يريد تحديد موقف واضح وصادق من القضية الفلسطينية، دون أن ينخدِع بمزايدات ٍتتم على قضيته المُقدّسة في سوقٍ تُجّارُهُ ثعالبُ وذئاب.