لقد حظيت شجرة الزيتون بشرف القسم الإلهي العظيم في قوله تعالى «والتين والزيتون»، ولم يَنعتْ القرآنُ الكريم شجرة بالمباركة كما فعل مع الزيتون، وقد زادتْ بركتها حين اقترن ذِكرها بذكر نور الله في قوله تعالى «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ»، واشتركت في تبيان بركة الزيتون السنة النبوية المشرفة في قوله صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزيت وادَّهنوا به؛ فإنه يَخرج مِن شجرة مباركة». أما في الموروث الإنساني، فتعدّ شجرة الزيتون الشجرة الخالدة التي تعيش ألف عام وأكثر، وتظلّ تعطي وتثمر، وتهب زارعها زيتاً وطعاماً ونوراً، وكانت من أقدم ما زرعه الإنسان على وجه البسيطة قبل أن يتعلم أبجدية الحرف ويكتب التاريخ. ومنذ عام 2008 دأبت منطقة الجوف على تنظيم مهرجان سنوي للزيتون، هذه التظاهرة الزراعية الثقافية والسياحية التي تنطلق هذا العام في السابع من مايو (أيار) من مركز الأمير عبدالإله بن عبد العزيز الحضاري في مدينة سكاكا، وبرعاية واهتمام كبير من سمو أمير منطقة الجوف – حفظه الله – ويقوم على تنظيمه خلية متكاملة من جنود أمانة منطقة الجوف المميزة، وبجهود الذين يعملون على قدم وساق وسط إجراءات احترازية واستثنائية تراعي السلامة العامة لزوار المهرجان ومرتاديه، وبالتضامن مع باقي الإدارات الأخرى وذلك لإطلاق النسخة الرابعة عشرة من مهرجان زيتون الجوف الدولي، وبمشاركة عالمية من العديد من الدول ذات الاقتصادات الكبرى، حيث شكل هذا المهرجان السنوي علامة فارقة لمنطقة الجوف وساهم في صنع هوية زراعية للمنطقة وجذب أنظار المستثمرين السعوديين للتوسع في هذا المجال، لا سيما بعد أن حققت مشروعات الجوف أرقاما قياسية عالمية كأكبر مزرعة حديثة للزيتون في العالم، وتصدر إنتاجها من الزيت النقي الخالي من الأسمدة المركبة إلى كثير من دول العالم ووصولاً لإسبانيا. فعلى ثراها الخصب الوفير غُرست أكثر من 18 مليون شجرة زيتون، موزعة على ما يقارب 12 ألف مزرعة وثلاثة آلاف مشروع زراعي، لتنتج سنوياً نحو عشرة آلاف طن من زيت الزيتون بجودة ومواصفات عالمية، مما يدعو للتفاؤل والمضي قدماً في زراعة المزيد من الأشجار وإقامة مشروعات الصناعات التحويلية لمنتجات الزيتون كالصناعات الغذائية ومواد التجميل والصابون واستغلال جفت الزيتون وغيرها من الصناعات، ومما يساهم في إيجاد فرص عمل للشباب واستثمار طاقاتهم وتحفيزهم على الانخراط في مجال الزراعة وملحقاتها. إن مهرجان الزيتون في الجوف وبالمشاركة الدولية فيه يشكل نافذة استثمارية مهمة للمزارعين، وفرصة ذهبية للإفادة والاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال من خلال الإطلاع على أحدث طرق التصنيع والتطوير والتحسين وزيادة الإنتاج، كما يشكل هذا المهرجان فرصة ثمينة لتسويق منطقة الجوف سياحياً من خلال إطلاع المشاركين وزوار المهرجان على أهم الأماكن السياحية والأثرية في منطقة الجوف، حيث من الممكن تنظيم رحلات جماعية لهم أو عرض الفيديوهات القصيرة داخل أروقة المهرجان بهدف إبراز هذه المواقع والتعريف بها بالاستفادة من ذوي الاختصاص والخبرة من المرشدين السياحيين في هيئة السياحة والآثار بالمنطقة، وأيضا الأكاديميين أصحاب الباع والاختصاص، بما يسهم في جعل هذا العرس محفلاً عالميا، زراعياً واقتصادياَ وسياحياً وثقافياً. * مشرف المسؤولية المجتمعية بجامعة الجوف