تسعى أوبك منذ عقود إلى استقرار أسواق النفط بتخفيض إنتاجها عند تراجع الطلب وزيادته عند ارتفاعه، وفي الأسبوع الماضي قررت الأوبك بلس في اجتماعها، الاستمرار في خطتها بزيادة الإنتاج تدريجيا لملاحقة نمو الطلب العالمي والمتوقع أن ينتعش في النصف الثاني من هذا العام. ولكن ما زالت المخاطر قائمة ومصحوبة بتباطؤ نمو الطلب في العقد الحالي واحتمالية وصوله إلى ذروته في العقد الذي يليه، كما طالبت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها مايو 2021، شركات النفط بإيقاف استثماراتها الجديدة في الوقود الأحفوري والاكتفاء بما هو متاح اعتبارا من العام 2021، للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050، وأشار التقرير بأنه سيترتب على ذلك انخفاض حاد في الطلب على النفط ب 75 ٪ إلى 24 مليون برميل يوميا من 90.5 مليون برميل يوميا في 2020 والغاز ب 55 ٪ إلى 1750 مليار متر مكعب بحلول 2050. واعتبرت الأوبك تقرير الوكالة من محض الخيال، بل إنه تهديد صريح لاستمرار إمدادات النفط والغاز ومستقبل استثماراتها التي لن تتوقف، كما أنه يعتبر تحولا جذريا في مسار وكالة الطاقة الدولية التي نشأت في 18 نوفمبر 1974، بهدف تأمين المعروض من النفط لأعضائها في أعقاب قرار الدول العربية المنتجة للنفط حظر تصديرها إلى الأسواق العالمية في 1973، فلن تفضي هذه الضغوط من قبل الوكالة وأنصار المناخ إلى شيء، ما عدا تناقص استثمارات وإنتاج شركات النفط العالمية الخاصة، مما سيتيح فرصة ثمينة للأوبك، خاصة الأعضاء الأقل تكلفة إنتاجية، لزيادة إنتاجها وتعويض النقص عند أسعارا مرتفعة، وبهذا تتجاوز الأوبك ذروة الطلب التي قد تحدث على المدى الطويل. فلو نظرنا إلى متوسط معدل نمو الطلب العالمي على النفط في الفترة ما بين 2013 و2018 فإنه لم يتجاوز 1.2 % بل انخفض إلى 0.9 % ليصل الطلب إلى 99.98 مليون برميل يوميا في 2019. وهذا قد يكون مؤشرا على اقتراب ذروة الطلب على النفط في حالة استقراره عند هذا المستوى في نهاية هذا العقد أو العقدين التي تليه قبل أن يبدأ في الانخفاض. أما على جانب العرض، فقد انخفض نمو الإنتاج من خارج الأوبك من 5 % في 2018 الى 3.4 % في 2019، ما يشير الى استمرار تناقص نمو إنتاجها في السنوات القادمة والذي تراجع إلى 2.3 % في 2020 ولكنه عام استثنائي، وبهذا بلغت حجم فجوة العرض مقارنة بالطلب 7.45 ملايين برميل يوميا في 2019 وعند سعر 64.30 دولارا لبرنت. فمن المتوقع تناقص العرض مستقبلا من خارج أوبك واتساع فجوة العرض مقابل الطلب، مما سيكون له تأثير على تصاعد الأسعار، وبهذا سيتغير سلوك الماضي الذي في العادة يسلكه المنتجون من خارج الأوبك بزيادة إنتاجهم، عندما تخفض الأوبك إنتاجها، من أجل تحقيق مكاسب كبيرة على حساب الأوبك، وستنقلب المعادلة في السنوات القادمة وتصبح الأوبك تنتج عند أقصى طاقتها إنتاجية، نتيجة تناقص الإنتاج من خارج الأوبك. إنه العصر الذهبي الجديد لأوبك بسيطرتها على إمدادات أسواق النفط وتأثيرها على أسعار النفط نحو التوازن النسبي بين العرض والطلب، وبهذا نتطلع إلى مستقبل طويل ومزدهر للأوبك باستغلال مواردها أفضل استغلال دون إعطاء فرص متكررة للمنتجين من خارجها أو لتقارير وكالة الطاقة الدولية غير الواقعية.