إذا كنت ممن عاش طفولته في الثمانينات فأنت على الأرجح تتذكر مسلسلاً كرتونياً شهيراً في ذلك الوقت يسمى «حكايات عالمية». كل حلقة هي قصة جديدة مستوحاة من الفلكلور العالمي، يفتتحها المعلق بتحديد أصل القصة؛ «حكاية من التراث اليوناني، حكاية من التراث اليوغسلافي».. وهكذا. عرفت لاحقاً أن هذا المسلسل من إنتاج شركة يابانية تدعى «داكس إنترناشيونال» في منتصف السبعينات، واستعان كاتبوه بالفعل بالموروث العالمي المحكي، بالإضافة إلى استلهام بعض الحكايات من كتب شهيرة مثل إلياذة هوميروس وغيرها. ما أعاد هذا المسلسل إلى ذاكرتي هو أنني كنت قبل عدة أيام في مكتبة قديمة بشارع العطايف، ووجدت سلسلة كتب الشيخ عبدالكريم الجهيمان «أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية». والذي قدم من خلاله خدمة جليلة ونادرة للموروث الشفهي في جزيرة العرب، حيث حفظ الكثير مما أبدعته مخيلة قاطني الجزيرة العربية من الضياع، وهو بالمناسبة ليس إنتاجاً أدبياً وحسب، بل تستطيع من خلاله الإطلال على حقب زمنية في تاريخ الجزيرة بكل ما فيها من أحداث وقضايا وهموم تشكلت على هيئة قصص وأساطير. ويجب أن لا ننسى أيضا الأديب فهد المارك، رحمه الله، والذي قدم جهداً مشابهاً عبر كتابه «من شيم العرب». نحن نعيش الفرصة الأخيرة لتوثيق أكبر قدر ممكن من التراث الشفهي الذي تكتنزه ذاكرة كبار السن؛ أولئك الذين عاشوا مراحل مهمة من تاريخنا، وسمعوا أيضاً مرويات ثمينة من آبائهم وأجدادهم، وأقول بأنها فرصة أخيرة، لأن جيل الأجداد هو آخر خيط يربط بين حقبة ما قبل التدوين الإلكتروني بجميع منصاته وما بعده؛ إذ إن الكثير مما يحدث في هذه الفترة يتم بالفعل تدوينه إلكترونياً وبالتالي يعتبر أرشيفاً محفوظاً يمكن الرجوع له في كل زمان، على خلاف الحقب الماضية التي تقبع معظم أحداثها ومروياتها في ذاكرة معاصريها فقط، وتضيع مع رحيلهم. وأخيراً، من المهم الإشارة إلى المشروع الرائع الذي تقوم به دارة الملك عبدالعزيز ممثلة في مركز التاريخ الشفوي، والذي عملت من خلاله على توثيق أكثر من 6 آلاف مادة تسجيلية ثمينة استقصوا من خلالها العديد من المرويات والأحداث المهمة التي لا زال يذكرها المؤرخون ومن عاصروا تلك الأحداث. ولا يزال المجال واسعاً للاجتهاد والحصول على قدر أكبر من تلك المرويات وتوثيقها، وأعتقد أن هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة النشيطة مؤهلة لمشروع كهذا، إن لم تكن قد بدأت بالفعل في العمل عليه.