في وقت سابق، كان الوعاء الاستثماري في المملكة لا يخرج عن سوقي العقار والمال، وكان المواطن الذي يملك بعض المال، ويرغب في استثماره، عليه أن يذهب إلى أحد السوقين، علماً أن السوق الأول وهو العقار كان يحتاج إلى بعض الصبر والانتظار، في المقابل كان مردوده مرضياً وشبه مضمون، بينما سوق المال كان مردوده سريعاً، ولكن لا يخلو من مجازفة. وفي ظل رؤية 2030، بات هذا المشهد جزءاً من الماضي، ليس لسبب سوى أن الرؤية كانت تؤمن بأن المملكة بها قطاعات استثمارية عملاقة، لم تنل حظها من الاهتمام والانتشار، ولم تحظ بثقة المستثمر في قدراتها على أن تكون أوعية استثمارية تجذب الاستثمارات من الداخل والخارج، وعلى رأس هذه القطاعات، قطاع السياحة والترفيه. ما أستطيع التأكيد عليه هو أن المملكة ألقت بثقلها في هذا القطاع، ومنحته ما يستحق من الاهتمام والعناية ما يجعله ورقة الرهان الرابحة في منظومة الاقتصاد السعودي خلال السنوات المقبلة، بعدما تأكدت الرؤية أن للمملكة إمكانات سياحية استثنائية طبيعية وصناعية، لم تُستثمر بعد، وجاء الوقت لتعلن فيه البلاد عن نفسها كدولة سياحية كبرى في المنطقة، قادرة على جذب السياح من جميع أقطار العالم، كما هي الحال في العديد من الدول المجاورة. يوماً بعد آخر، تفاجئنا الرؤية بمفاجآت سارة في القطاع، فأعلنت عن مشاريع سياحية عملاقة، مثل مشروع البحر الأحمر، والقدية، ونيوم التي كانت حديث الداخل والخارج، وتوقع معه الكثيرون أن تصبح المملكة مركز السياحة في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة. ولأن كل مشاريع الرؤية مدروسة بعناية وفق دراسات ميدانية دقيقة، تحدد البدايات وتتوقع النهايات، فإن مشاريع القطاع ستكون الداعم الأول لخزينة البلاد عبر رؤية استشرافية متكاملة، تستهدف على المدى القصير 29.5 مليون زيارة من الخارج و32.5 مليون زيارة من الداخل، فضلاً عن إسهام القطاع السياحي ب 5.3 في المئة من الناتج المحلي للبلاد. ليس هذا فحسب، فبحلول 2030 تستهدف السعودية 55 مليون زيارة من الخارج، و45 مليون زيارة من الداخل، ومليون فرصة وظيفية جديدة مع ارتفاع مساهمة القطاع السياحي إلى أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي. مثل هذه الرؤية، كان لها تأثير مباشر على القطاع، وارتفعت معها قوة الطلب المحلي على السياحة الداخلية عام 2020 والربع الأول من هذا العام الحالي، ما يؤكد أن الرؤية كانت صائبة، وأن مستقبل هذا القطاع قادم لا محالة، لتكون المملكة مقصداً سياحياً لسياح الداخل والخارج، علماً أن سياح الداخل كانوا ينفقون المليارات في السياحة الخارجية، وجاء الوقت لوقف هذا النزيف، واستثماره في الداخل، كل هذا كفيل بتنويع مصادر دخل المملكة، وعدم الاقتصار على دخل النفط، الذي أثبتت الأيام أن الاعتماد عليه مجازفة غير مضمونة العواقب، وهذا ما وعد به مهندس الرؤية الأمير محمد بن سلمان، وها هو يفي بوعده على أرض الواقع في مشهد يتابعه العالم عن كثب، ويشيد بتجربة المملكة الفريدة، وبرؤيتها الثاقبة.