التنسيق السعودي - السوداني - المصري صمام الأمان في ملف أمن البحر الأحمر يصنف السياسي السوداني البارز حاتم السر وزير النقل الأسبق والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي يقوده الزعيم محمد عثمان الميرغني العلاقات السعودية - السودانية بأنها استراتيجية، مؤكداً أن الدعم السعودي لبلاده لم ينقطع وظل متواصلاً. وقال السر في حوار خاص مع «الرياض»: إن ما يجمع بين المملكة والسودان هو وحدة الهدف والمصير لذلك، ويرى أن العلاقات بين البلدين محصنة من أي محاولة للنيل منها وعصية على الاستهداف. ويثمن السر الدعم السعودي المتواصل لبلاده، مؤكداً أن الشعب السوداني لن ينسى الدور الريادي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله وحفظه -، وولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي عانى منها السودان على مدى 20 عاماً. ويشير السر إلى أن استمرار التأييد السعودي للحكومة الانتقالية في السودان، ودعمها لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالياً يقفان شاهداً على المراحل المتطورة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين، فضلاً عن انخراط السعودية بكلياتها في دعم عملية الانتقال السياسي وعملية السلام مع الفصائل المسلحة في السودان، وكذلك دعمها لجهود الإصلاح الاقتصادي، وأيضاً تقديمها للمساعدات الإنسانية للسودان في أكثر من مناسبة بل وباستمرار. وتالياً نص الحوار: * بعد ثورة ديسمبر المجيدة وزوال نظام الرئيس المخلوع عمر البشير من السودان كيف يمكن تصنيف العلاقات السعودية - السودانية سياسياً واقتصادياً بل على كافة الأصعدة؟ o تعتبر العلاقات السعودية - السودانية ضاربة بجذورها في القدم، ويجمع بينها وحدة الهدف والمصير، وهناك عوامل عديدة أسهمت في ترسيخ وتطوير العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين البلدين الشقيقين، حيث تبقى العلاقات بينهما محصنة من أي محاولة للنيل منها وعصية على الاستهداف، وقد شهدت هذه العلاقات تطوراً كبيراً. ولعبت المملكة أيضاً دوراً مقدراً في مشروعات التنمية في السودان من خلال الاستثمارات والمشروعات الكبيرة التي أقامتها، ويمثل البعد الاقتصادي ركيزة أساسية في العلاقة بين البلدين خاصة في مجال الزراعة بشقيها النباتي والحيواني. ولن ينسى الشعب السوداني الدور الريادي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله وحفظه -، وولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي عانى منها السودان على مدى 20 عاماً. o وماذا بخصوص الدعم السعودي الواضح للحكومة الانتقالية وفترة الانتقال الحالية التي يعيشها السودان؟ o يقف استمرار التأييد السعودي للحكومة الانتقالية في السودان، ودعمها لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالياً شاهدين على المراحل المتطورة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين، فضلاً عن انخراط السعودية في دعم عملية الانتقال السياسي وعملية السلام مع الفصائل المسلحة في السودان، وكذلك دعمها لجهود الإصلاح الاقتصادي، وأيضاً تقديمها للمساعدات الإنسانية للسودان في أكثر من مناسبة بل وباستمرار، كما تشكل مشاركة السودان في تحالف دعم الشرعية في اليمن، والتحالف العسكري الإسلامي قمة التعاون العسكري والسياسي بين البلدين الشقيقين، وتأكيداً على أن أمن واستقرار كل من المملكة العربية السعودية والسودان خط أحمر، إجمالاً يمكن تصنيف المراحل المتقدمة التي وصلت إليها العلاقات السعودية - السودانية في الوقت الراهن بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين. o بصفتك خبيراً في مجال الاقتصاد والقانون الدولي كيف تقيم نتائج مؤتمر باريس الدولي لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان؟ o تباينت آراء المحللين إزاء تقييم نتائج مؤتمر باريس الدولي بشأن دعم التحول الديمقراطي في السودان والذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس الاثنين الماضي، وشاركت فيه وفود من مختلف الدول والمنظمات الدولية والإقليمية. ومن وجهة نظري ومع احترامي للانتقادات المصوبة لبعض النواقص أرى أن الحدث قد حقق غاياته وحشد الدعم الدولي المطلوب للحكومة الانتقالية وأحدث اختراقاً في ملف تخفيف عبء الديون ومهد الطريق لعودة السودان ليحتل مكانه ويندمج مع الأسرة الدولية. o برأيكم هل تمخض المؤتمر بكل زخمه عن نتائج عملية ذات مردود مباشر تؤدي إلى انتشال السودان من أزمته الاقتصادية التي باتت تهدد مستقبل الانتقال الديمقراطي؟ o لقد كان المؤتمر خطوة مهمة في الطريق الصحيح وصولاً إلى التعافي الاقتصادي بالسودان وحقق نتائج مثمرة لدعم السودان، ولكن الأهم أن تبذل جهود مماثلة على المستوى الإقليمي وستكون نتائجها مباشرة لتنمية السودان ورفاهية شعبه، وأعتقد أن الحلول على مرمى حجر من البلاد ولا تحتاج إلى الهجرة البعيدة. o ماذا تقصد بهذه الحلول القريبة؟ * أقصد أن السودان يمكنه أن يفعل دوره الإقليمي ويعتمد على دعم جيرانه الاقتصادي خاصة المملكة العربية السعودية التي أعلنت وقوفها بوضوح مع الحكومة الانتقالية، كما أبدت استعدادها التام لدعم الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية بالسودان ويكفي أن نشير إلى أن السودان ظل في قلب المملكة على الدوام وعبر مختلف الحقب وتعاقب أنظمة الحكم وذلك لأن العلاقات السعودية - السودانية تعتبر من الثوابت الراسخة في سياسة المملكة، بلغت هذه العلاقات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حداً من النضج والتطور غير المسبوقين في مختلف القطاعات. وعلاقات بهذه الخصائص والمزايا والأوصاف قابلة للنمو والتوسع والوصول إلى مستوى استثنائي يعود بالخير الوفير على الشعبين الشقيقين، وهناك فرص واعدة للشراكة الاستراتيجية من خلال الاستثمارات الناجحة خاصة في المجال الزراعي بما يحقق الاكتفاء الذاتي والتكامل الاقتصادي بين الدولتين ويفضي إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري الحالي، والذي لا يرقى لضخامة الموارد والقدرات والفرص المتاحة والمتوفرة. o حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين ما يزال بعيداً عن الطموح ولا يعكس حجم العلاقات التي تربط بين البلدين؟ o وهذا يقتضي تغيير نمط التحرك والتفكير. o بصفتك وزيراً سابقاً للنقل في السودان وسياسياً بارزاً، كيف تنظر إلى الاتفاقيات التي أبرمها النظام السابق في البحر الأحمر، وبالتحديد اتفاقية جزيرة سواكن وميناء عثمان دقنة في ظل انتقادات توجه من الرأي العام الشعبي السوداني لكليهما بوصفها على حد قول البعض اتفاقيات استعمارية؟ o لم أقض فترة طويلة كوزير في وزارة النقل، ولم أشترك في إبرام الاتفاقيات التي ذكرتها، وهي كانت سابقة لقدومي للوزارة بزمن طويل، والمشكلة المفترضة في الاتفاقيات ليست في كونها تخص الموانئ أو أنها استعمارية أو غيرهما، المشكلة كانت في البوصلة السياسية، في ظل ظرف سياسي معقد، أخطأ النظام السياسي حينها في تقدير حساسيته بوضوح. ولو تمت ذات الاتفاقيات مع إيطاليا مثلاً، أو اليونان، لن تكون هناك أيّة إشكالية جوهرية حينها، الإشكالية هي في الرسائل المرتبكة، كان السؤال واضحًا أمام النظام حينها واليوم لا يزال واضحًا: هل أنت مع إيران أم مع العرب، مع تركيا أم مع الإمارات؟ ولم يكن الجواب واضحًا، وكان البشير يبدو وكأنه مع الجميع، والواقع السياسي من حوله معقد وحساس للغاية ولم يكن يقبل بنصف جواب. كان البعض من الإسلاميين الحاكمين في ذلك الوقت واضحًا وجاهراً أنه مع تركيا مثلاً وما يسمى بالثورات، وكان غيرهم ضد هذه الأفكار، ولكن البشير كان يقف بقدمين في الاتجاهين، فحدث ما حدث. o ألم يحن الوقت لمراجعة هذه الاتفاقيات بما يتماشى مع الوضع الجديد في البلاد بعد الثورة والاستفادة المثلى من هذا الموقع الاستراتيجي لصالح السودان؟ o المهم هو ضمان أن لا يكون السودان سبباً أو طرفاً في أي تهديد للعمق العربي بسبب وجود جهات أجنبية على البحر الأحمر، هذا هو المهم في هذه المرحلة، أما كيف يتم ذلك فبلا شك الأمر يمكن أن يحتاج إلى ضمانات مشتركة، السودان لا يتوقع من الخليج إلا الدعم، وعليهم أن لا يتوقعوا من السودان إلا السلام، ومهم أن تؤكد حكومة الثورة السودانية على أن الموانئ السودانية وأن منطقة الشرق السوداني لن تكون منصة لتوجيه أي نوع من أنواع التهديد للسعودية بأي شكل من الأشكال، فلا يعقل أن يكون جنودنا السودانيون في الحد الجنوبي بالسعودية، ويكون شرق السودان في نفس الوقت تهديداً للحرمين الشريفين. o في تقديرك، على أي أساس منح الرئيس المعزول (البشير)، جزيرة سواكن لتركيا، هل من أسباب أيديولوجية وراء هذا الاتفاق الموصوف بالظالم؟ o كثيرون قالوا إن العملية بين قوسين (المنحة) كانت خطوة تعبيرية عن عدم رضا البشير عن الدعم الذي تلقاه من الخليج في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد، وكان يريد مد صلاته مع حلفائه التقليديين، آخرون قالوا لنا إن البشير كان مجبرًا على اتخاذ هذه الخطوة، وبالمخالفة لما سبق كان البعض يتحدث عن أنّ الخطوة كانت متزامنة مع وجود علاقة طيبة بين الخليج وتركيا في ذلك الوقت، الاتفاق بين الرئيس التركي والسوداني كان وما زال محاطاً بدرجة عالية من السرية، وكان ملفاً رئاسياً بامتياز محاطاً بسياج من الهالة الإعلامية التي تضخمه، وكان هذا يسر الإسلاميين، لأنهم يظنون أنه يرفع من قيمة الخطر المفترض، ولا أخفيك أنني كنت من الذين ينظرون إلى بعض جوانب الاتفاق على أنها تضخيم لا مبرر له، فهي بملايين الدولارات، وقد عقدنا عقودًا بمليارات لم تجد هذا الاهتمام الإعلامي الذي لا أجد له تفسيراً. o بصفتك من الذين عاشوا تلك الفترة قريباً من دوائر صنع القرار بحكم شراكة فرضتها عليك تقديرات حزبية تنظيمية كان هدفها كما تابعنا مصلحة الوطن، أعطنا كواليس اتفاقية جزيرة سواكن وما المقابل الذي حصل عليه النظام السابق؟ o شكرًا لسؤالك وافتراضك أن الشراكة فرضت عليّ، هذا افتراض صحيح ومريح. ولكن أود أن أؤكد على النقطة الأهم: إيماننا بمصلحة الوطن، وأن الحوار الذي يسع الجميع والاتجاه نحو تطبيقه بحذافيره، والنهاية إلى انتخابات كان يفترض أن تقام في 2020، كان هو الحل الأساسي. أما كواليس اتفاق جزيرة سواكن والمقابل وغيرهما من تفاصيل، فهي تفاصيل ذات أطر متعددة، الجانب الذي شهدته من ملف العلاقات السودانية - التركية عندما كنت وزيراً للتجارة هو تطوير التعاون التجاري بين البلدين، ووقعت على اتفاق تجاري مع وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي يتعلق بتطوير العلاقات التجارية والصناعية ونقل تجربة تبريد اللحوم وتجهيزها وتصنيعها وتصديرها للأسواق الأوروبية، وإنشاء بورصات للذهب وللسلع، وقد شرع السودان في الاستفادة من هذا التعاون التجاري مع تركيا. وللسودان تعاون موازٍ مع المملكة يومها وأود هنا تسجيل إشادة بالدعم السعودي للسودان، ولابد من الإشارة إلى أن السعودية كانت متفهمة تماماً للملف التجاري للسودان مع تركيا حتى بعد الاتفاق الخاص بجزيرة سواكن وتخصيصها لتركيا الذي تشير إليه وبأمانة الملف التجاري بين الخرطوم وأنقرة لم يثر مخاوف السعودية إطلاقاً ولكن من الطبيعي أن يثيرها التعاون الأمني والعسكري والأيديولوجي (Ideology). o إلى أي مدى يمكن أن يشكل التغلغل التركي - الإيراني في البحر الأحمر تهديداً للأمن القومي العربي؟ o البحر الأحمر فيه دول عربية كبيرة، وفيه إسرائيل، وفيه نفوذ إيراني، كل هذه القوى يمكن تحليلها، صحيح ثمة وجود محدود لقوى أخرى، أظن أن العناية به مهمة للغاية ولا تغيب عن فطنة حكومات المنطقة. طرحنا سابقًا وسنطرح دائمًا إنشاء مجلس لدول حوض البحر الأحمر، لتنسيق أمنه واستقراره وتنميته، وستظل العلاقة السعودية - السودانية المصرية هي صمام الأمان في ملف أمن البحر الأحمر والأمن القومي العربي، وما يبعث على الاطمئنان أن السعودية أعلنت اهتمامها بهذا الملف وأولته ما يستحق من العناية والاهتمام وأوكلت أمره لشخصية سعودية مرموقة ومؤهلة وهو السفير أحمد قطان وزير الشؤون الإفريقية السعودي ويقود حالياً جهوداً حثيثة للتأكيد على القيم المشتركة بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر. ويمكن الاستفادة من رؤية 2030م للسعودية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وما تشتمل عليه من مشروعات تنموية ضخمة مقترحة على سواحل البحر الأحمر. o ما الذي يتوجب على السودان فعله حتى يستطيع حماية الأمن القومي العربي عبر بوابة البحر الأحمر؟ o الأمن القومي العربي، والأمن الإفريقي، والأمن السوداني، كلها مفاهيم لا تتجزأ، والسودان جزء من منظومات إقليمية، ودولية، يحتاج إلى العمل بشكل دائم ضمن إطار فكرة الدولة، ويدعمها. o كيف تنظر إلى السباق الأميركي - الروسي على سواحل السودان، الفوائد والمخاطر؟ o الأمر يحتاج إلى دراسة واعية وشاملة وعميقة لأبعاد السباق الأميركي - الروسي على سواحل السودان في البحر الأحمر، خاصة أن البشير استطاع في آخر أيامه إبرام اتفاق مهم مع روسيا الاتحادية، ضمن اتفاقات ضمت مصر وسورية أيضًا، وكان هذا الملف مربحاً ومزعجاً، وكانت زيارات البشير إلى روسيا ولقاءاته مع الرئيس بوتين لافتة للأنظار، ومثيرة للاهتمام، ومحلاً للتحليل، وكانت دائمًا تثير البلبلة واللغط لدى دوائر عديدة وهو كان يبدو سعيداً بسياسة خلط الأوراق ومسك العصا من المنتصف. وحقيقة لا أدري أين وصل هذا الملف الآن. أما بخصوص أميركا، فهي دولة كبرى ويهم السودان إبرام علاقات عادلة معها. والسودان ليس من مصلحته أن يكون طرفًا في السباق الأميركي - الروسي، البلاد تحتاج إلى علاقات سوية مع جميع القوى، وأميركا وروسيا صديقتان لنا عزيزتان. والقوانين الدولية وحدها كفيلة بتنظيم الملاحة في البحر الأحمر.