نجد في دراما رمضان هذا العام ثيمة ملحوظة بل مستفزة نخشى على المجتمع من التأثر بها، وهي ذلك العقوق والقسوة تجاه الآباء من الأبناء بشكل مبالغ فيه، ولا نعتقد أن هذه الثيمة بهذه الصورة الشائنة في الدراما أصبحت ظاهرة اجتماعية يجب معالجتها، فالمعالجة الدرامية لا تتَناولها إلا حينما تصبح ظاهرة.. في مجتمعات مثل مجتمعاتنا، لا ندري أنستسيغ فيها مثل هذا السلوك، وهو سلوك الأبناء تجاه الآباء في دراما رمضان هذا العام؟ وفي حقيقة الأمر لا ندري هل الدراما بكل ألونها هي صورة عاكسة للمجتمع أو أن المجتمع أصبح طرحا جديدا للمنتج الدرامي؟ وأيهما أكثر تأثيرا في الآخر؟ وأيهما يعد انعكاسا واضحا للواقع أو للدراما؟! كلها تساؤلات باءت بالفشل في لحظة تأمل طويلة لم تجد إجابة شافية، على الرغم من خطورة كل منهما على الآخر! نجد كثيرا من اللوم ومن التأنيب ومن النقد اللاذع على الأعمال الدرامية التي تحمل عنفا ودما وحروبا وقبحا، ولكن في اللحظة نفسها نجد جلها إن لم تكن كلها انعكاسا للواقع أو ما نطلق عليه كدراميين (المحاكاة)، والتي نظر لها المنظرون وأشهرهم أرسطو مرورا بجميع المنظرين في كل العصور حتى يومنا هذا في جدلية لا تنتهي عن مدى قرب العمل الدرامي من الواقع ومدى بعده عنه! وعلى هذا الأساس كيف نعلن السخط على الكتاب الدراميين إن أظهروا لنا قبحا وتشوهات واقعية عاكسة، وهم يعلنون أنه مجرد عمل يحاكي الواقع المعاش يجب معالجته! لكننا على الجانب الآخر نجد المدرسة الكلاسيكية (Classic)، حيث كانت الحركة التي لها دور كبير في النهوض بالبنية المجتمعية إبان عصر النهضة، حيث عملت على صناعة الرقي والأخلاق، مما جعلهم يطلقون عليها "التعليمية"، ولذلك جاء اسمها مشتقا من الصف الدراسي (Class)، والتي جعلت لها الأكاديمية الفرنسية دستورا من خرج عنه يعاقب بالحبس، ولذلك كانت الكلاسيكية حركة تنويرية. ونحن في وطننا العربي نمر بطور تنويري ملحوظ، يتوجب في اهتمام الفنون وخاصة الدراما بالأخلاق والرقي والتنوير وغير ذلك من الدروس والعبر التي يجب إعادة صياغتها في مثل هذا المنعطف الفلسفي الذي نحياه الآن، ومن هذا المنطلق نقول إن الدراما يجب أن تكون أرقى وأشمل من الواقع حتى تقوده نحو الكمال والتنوير؛ لتكون هي ذاتها فعلا تنويريا وليس العكس. لكننا نجد في دراما رمضان هذا العام ثيمة ملحوظة بل مستفزة نخشى على المجتمع من التأثر بها، وهي ذلك العقوق والقسوة تجاه الآباء من الأبناء بشكل مبالغ فيه، ولا نعتقد أن هذه الثيمة بهذه الصورة الشائنة في الدراما أصبحت ظاهرة اجتماعية يجب معالجتها، فالمعالجة الدرامية لا تتَناولها إلا حينما تصبح ظاهرة، ونحن -ولله الحمد- مجتمعات لا تزال بخير، مما يشكل خطرا من هذا الطرح على الشاشات غير مبرر في تناوله بهذه الصورة الفجة، فنجد الابن يقف على محور الصراع بندية وبتحد وبكل قسوة (لفظيا وفعليا) وكأنه أمر عادي يطرح في الدراما العربية على الشاشات وبكل (سخف) إن جاز لنا التعبير. فنجد كيف يقف الابن في مسلسل "الأغراب"، بطولة النجم أحمد السقا، والنجم أمير كرارة، وكيف كان يقف كل من حمزة وسليم في وجه أبويهما بكل فعل منافٍ للأدب العربي والعقائدي والعرفي والمجتمعي، وقل ما تشاء؟! إذ نجد الابن حمزة يتبرأ من أبيه (عساف) ويرفض بنوته له. وكذلك يفعل مسعد تجاه أبيه نجيب زاهي زركش في مسلسل يحمل ذات الاسم، إذ يرفض الانتساب لأبيه على الرغم من توسل الأب زاهي للابن أن يعود لحضنه ولبيته، إلا أن جفافا أخلاقيا وعاطفيا يحول بين الابن وأبيه. ثم نجد أن الابنين حمزة وسليم يقفان في مسلسل "الأغراب" أمام والدتهما (جليلة)، يتهجمان عليها بكل قول وفعل لا يليق ولا يرتقي للخلق السليم ولا حتى للدين، كما نجد الأمر والقسوة نفسها من الابنة زيزي في مسلسل "خلي بالك من زيزي" أمام والدتها التي لا تستطيع احتوائها على الإطلاق. كذلك ما يفعله الابن زين اتجاه أمه ومع والده المحامي من قسوة بفعل العقوق غير المبرر دراميا في مسلسل "الطاووس"، وكذلك ما تسلكه شخصية حماد مع أمه المذيعة ليلى نصر في المسلسل نفسه. ولكننا نجد العكس في تكوين الشخصية لدى أبطال مسلسل الاختيار (واحد واثنين)، كيف أن صناع العمل قد أقاموه على أسس أخلاقية تربوية في علاقة الأب والابن في كلا المسلسلين، وهنا يظهر لنا التباين الكبير في التناول، فهل الأخلاق محصورة على أبناء العسكريين فقط؟ مجرد تساؤل! هذه مجرد نماذج رصدناها فيما تتبعناه من خلال بعض المسلسلات، والتي لا يسمح هذا المقال بذكر نماذج أخرى، فالحديث يطول، والتحليل أطول، والتأثير سيكون للأسوأ في الأيام المقبلة، في زمن نتلمس فيه إعادة البناء الاجتماعي من جديد بعدما أصابه من الهزات العنيفة الطارئة عليه، والتي يجب التصدي لها للحفاظ على الأخلاق وعلى النشء وعلى القيم التي تشكل الهوية نفسها.