بمجرد أن نسمع الآن مصطلح «الموسم الرمضاني»، تتجه أذهاننا تلقائياً إلى ما تقدمه الفضائيات والمنصات الرقمية من محتوى تكون الدراما دائماً هي البطل الرئيس فيه، بينما لا يدري كثيرون -خاصة من الشباب حديثي السن- أن هذا المصطلح كان يعني في الماضي العديد من أشكال الاهتمام الإعلامي برمضان، وبالأخص في الصحافة الورقية. فقد كانت الصحافة الورقية في الماضي، وطوال عصرها الذهبي تدخر أقوى وأفضل محتواها لتقدمه إلى القارئ في رمضان، بل كانت تقوم بإعداد أبواب وملفات كاملة خاصة بالشهر الكريم، تناسب طبيعته الروحية وبعده التاريخي والإيماني. والمستعرض لأرشيف الصحف الورقية حتى قبل عقد من الآن، يمكن أن يلحظ ذلك بسهولة، ويجد الفارق الكبير بين ما كانت تقدمه الصحافة في أيام السنة العادية، وبين ما كانت تقدمه في رمضان من محتوى كان يتسبب في رفع أرقام توزيعها، في ظل عرضها لملفات يومية يرتبط بها القارئ طوال أيام الشهر الكريم. والحق أن هذا الاهتمام الصحفي بشهر رمضان استمر وانتقل من الصحف الورقية إلى نسخها الرقمية بعد ظهور المواقع الإلكترونية وانتشار الإنترنت، إلا أن ذلك لم يدم للأسف، وبدأ الاهتمام بالشهر الكريم يخفت في الصحافة الورقية والإلكترونية معاً، ولم يعد يتجلى رمضان في الصحافة بنسبة كبيرة إلا عبر تغطية المسلسلات والبرامج التي تعرض على الفضائيات وتفاعل الجمهور معها على الشبكات الاجتماعية، أي أن الصحافة الرمضانية أصبحت ردة فعلاً بعدما كانت فاعلاً قوياً ومؤثراً. إن المطالع لأغلب الصحف والمواقع الإخبارية هذه الأيام، ونحن في منتصف شهر رمضان تقريباً، يكاد لا يلحظ أي اختلاف بين ما تقدمه تلك الصحف في أيامها العادية وبين ما تقدمه هذه الأيام، ولا يكاد يجد اهتماماً لافتاً بالشهر الكريم من الناحية الصحفية كما كان الحال في الماضي -إلا فيما ندر- وقد يعود جزء من هذا الغياب، إلى أن كثيراً من الصحف تستعشر بأن نوعية المحتوى الصحفي الذي كان ينشر بمناسبة شهر رمضان كل عام، استهلك، وأكلت عليه الصحافة وشربت، ولم يعد هناك جديد يمكن تقديمه. وهي ليست مشكلة من وجهة نظري، وإنما هي تحد يستدعي بذل مزيد من الجهد والبحث للعثور على أشكال وأنماط صحفية مختلفة ومواضيع وقضايا جديدة يمكن طرحها بمناسبة هذا الشهر الكريم، وأبسط هذه الأنماط وأقلها إبداعاً، هو أن تقوم الصحف الورقية على الأقل بإعادة نشر وإنتاج ملفاتها القديمة عن رمضان التي أصبحت الآن من التراث الصحفي، أولاً حتى لا تحرم القارئ الحالي من هذا المحتوى الثري والقيم الذي لم يعد يجده في صحافة اليوم، وثانياً حتى تلهم الصحفيين الجدد وتعرفهم على الأشكال القديمة والمواضيع الجذابة التي كانت تضيء صحفنا الورقية طوال الشهر الكريم.